الرمية .. قصة قصيرة بقلم / محمد على عاشور

أحبها كما لم يحب عاشقا معشوقته من قبل، حبا فاق الذى كان يقرأ و يسمع عنه فى كتب العشق ، قيس و ليلى ، عنترة و عبلة، روميو و جوليت.
منذ أن رأها أول مرة ، أحسها تنمو فيه كبذرة بذرت فى روحه و نبتت جذورها التى تمددت فى كل خلية فى جسده ، كانت تقتحم قلبه بعيونها المختلفة عن كل العيون ، و صوتها المميز عن كل الأصوات، و هدوئها الناعم كالحرير ، و مشيتها التى تشبه طير الفراشات .
كانت كلما تكلمت ينصت لها وهو يتطلع فى عيونها ، و يبحث فى عقله عن أية كلمات ليجعلها لا تتوقف عن الكلام . شعرت باهتمامه بها من أول وهلة ، و كان يسعدها ذلك كثيرا .
خشى إن عبر لها عن حبه فقدها ، لأنها كانت تشكك دائما فى الحب ، فأمسك لسانه عما فى داخله، و اكتفى بها قريبة إلى قلبه و عقله و روحه وجسده . كان حبه مثل الشجرة كلما طال الوقت تنمو و تنشر ظلها وتتمدد أكثر و أكثر .
ظل يروى هذا الحب بنبض قلبه و خفق روحه ، لكنه ظل يخفيه أياما و ليالي و لا يبوح به لأحد ، لكن لهفته فضحته وباح لها بعشقه فى زلة لسان ، وقد كانت تنتظر .كان يشعر أنها قلبا يسير على الأرض.
حلقت معه ببن أغصان شجرة حبهما و رويا تلك الشجرة بكل نبضة من قلبيهما و كل همسة من روحيهما ، و تظللا بظلالها، لقد أزهرت و أينعت و دنا قطافها .
لكن الخريف يأتى دائما ليسقط الأوراق ، وقفز الربيع برياحه و أتربته ليسقط الأزهار زهرة تلو الأخرى، لكنه ظل يحاجى على تلك الشجرة بكل ما أوتى من قوة ، لكن تحالف الخريف مع الربيع كان أقوى منه، ،وبدأت رسائل تنذر بالتغير ،و لم يتوقف عن محاولة التشبث بها .
لكنها ظلت فى التجاهل حينا ، و الرد المؤلم أحيانا أخرى مع اتهامات منها كانت تصيب قلبه بالوجع و العجز . ظلت توهمه بأنها لم تستطع أن تغلق الباب بينها وبينه ، لكنها كانت تغلقه و تحكم إغلاقه بكل قوة .
لقد شعر أنها ليست إلا عقلا قاسيا مر المذاق . كانت رسائلها مثل رام جهز سهامه المسممة لقوسه كى يطلقها سهما تلو الأخر، وظل يجذب بقوة و يصوب و يرمى فى اتجاه قلبه .
لم يتوقف لحظة عن محاولة التقرب منها رغم كل ما تفعل، محاولا تفادى تلك السهام . لكن الرامى جهز السهم الاكبر ، وقد صوب ، حتى جاءت اللحظة ، وانفلت وأصاب القلب فى منتصفه .
كان كلما حن إليها، تذكر قساوتها ، فكانت الذكريات كمطرقة يدق بها مؤخرة السهم ليشعر بشدة وخزة الألم فى روحه ، وليستقر نصله أكثر فأكثر فى سويداء قلبه.