الدكـــروري يكتب: العاقل من أعدّ لساعة الموت عدتها

الحمد لله مستحق الحمد وأهله، يجزي الصادقين بصدقهم من رحمته وفضله، ويجازي الكاذبين فيعاقبهم إن شاء بحكمته وعدله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في حكمه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل خلقه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أما بعد، إنه لم يأمر المولى تبارك وتعالى عباده بالتحلي بالصدق، إلا لما في ذلك من الثمرات الفريدة والفوائد العديدة، التي تعود على الصادقين في الدنيا والآخرة، ومن ذلك أن الصدق أصل البر، والكذب أصل الفجور، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فان الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا”
وكذلك إنتفاء صفة النفاق عن الصادقين ففي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ثلاث من كن فيه كان منافقا إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان ” رواه البخاري ومسلم، من الثمرات الفريدة والفوائد العديدة التي تعود على الصادقين في الدنيا والآخرة، هو تفريج الكربات وإجابة الدعوات والنجاة من المهلكات، كما يدل على ذلك قصة أصحاب الغار التي أخرجها البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أنه قال بعضهم لبعض “إنه والله يا هؤلاء، لا ينجيكم إلا الصدق، فليدعوا كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه، فدعا كل واحد منهم ربه بما عمله من عمل صدق فيه لله، وأخلص له فيه، فكان أن جاء الفرج، ففرج لهم فرجة بعد أخرى، حتى خرجوا من تلك المحنة”
ويحكى أن هاربا لجأ إلى أحد الصالحين، وقال له أَخفني عن طالبي، فقال له نم هنا، وألقى عليه حزمة من خوص، فلما جاء طالبوه وسألوا عنه، قال لهم ها هو ذا تحت الخوص، فظنوا أنه يسخر منهم فتركوه، ونجا ببركة صدق الرجل الصالح، وكما يروى أن الحجاج بن يوسف خطب يوما فأطال الخطبة، فقال أحد الحاضرين الصلاة، فإن الوقت لا ينتظرك، والرب لا يعذرك، فأمر بحبسه، فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون، فقال الحجاج إن أقرّ بالجنون خلصته من سجنه، فقال الرجل لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله تعالي التي أنعم بها عليّ، وأثبت لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها، فلما رأى الحجاج صدقه، خلَّى سبيله، ولقد كان من تواضع النبي المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يحب التميز، وإن معني الولاية كمصدر تولي الأمر.
كقوله تعالى في سورة البقرة ” فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يملي هو فليملل وليه بالعدل” فالولي هو يتولى أمرك ومن يدير شؤونك ومن يرعاك ومن ترجع إليه ومن تستشيره ومن تعتمد عليه، وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إذا صنع لأحدكم خادمه طعاما، ثم جاءه به وقد ولي حرّه ودخانه، فليقعده معه فليأكل ” ويعني إذا كان لك خادم صنع لك طعاما، ليأكل معك ومن تواضع النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل مع الخادم، أي ما كان يحب التميز، فقيل أنهم كانوا في سفر وأرادوا أن يعالجوا شاة، فقال أحدهم عليّ ذبحها يا رسول الله، فقال الثاني وعليّ سلخها، وقال الثالث عليّ طبخها فقال عليه الصلاة والسلام وعليّ جمع الحطب، فقالوا نكفيك ذلك يا رسول الله.
قال أعلم أنكم تكفوني ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزا على أقرانه وهذا من تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ودخل عليه أعرابي ما عرفه، قال أيكم محمد ؟ والله يستنبط من هذه القصة القصيرة آلاف الإستنباطات وهو أنه لا يوجد تميز أبدا، فيقول أيكم محمد ؟ فقال أحد أصحابه ذاك الوضيء وفي رواية قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنا، فلا يوجد أي تميز، وهذا هو مجتمع المؤمنين، وهكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا صنع لأحدكم خادمه طعاما ثم جاء به وقد ولي حرّه ودخانه فليقعده معه فليأكل ” رواه مسلم، فالعاقل من أعدّ لساعة الموت عدتها.