أشد أمراض العصر خطورة .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــرورى

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا عزّ إلا في طاعته، ولا سعادة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في ذكره، الذي إذا أطيع شكر، وإذا عُصي تاب وغفر، والذي إذا دُعي أجاب، وإذا استُعيذ به أعاذ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد إن مواقع التواصل الإجتماعي لم تعد مجرد مواقع للتواصل، بل غدت إدمانا يعجز المرء عن التخلص منه، ولو إستعان بكل طاقم الفريق الطبي فهو ينام معها ويصحو، ويختلي بها حتى في بيت الخلاء، وفي مجالس الأفراح، وفي مجالس العزاء، وأصبحت السوشيال ميديا من أشد أمراض العصر خطورة، في ذاتها وفي إستخدامها، إلا من رحم الله، وقليل ما هم، ولك أن تتخيل مدى الحرص في الآونة الأخيرة على الشواحن المتنقلة، فلم يقتصر المرء على جواله.

بل لا بد من شاحن متنقل بجواره، فهو يخشى أن ينقطع الإرسال، ويصعب الإتصال، لا بالوالدين أو الأبناء، ولا بالأحبة والأصدقاء، ولكن يخشى أن يتأخر في الاطلاع على الواتس، أو أن تفوته تغريدة، أو مقطع يسبقه إليه أحد السباقين في تدوير المقاطع، ما يخل منها بالأخلاق، وما يضحك السن، وما يثير الفتنة، وما يثير العجب، وما ليس له تصنيف فهو مجرد مقطع، تعظم مصيبتك وأنت تتلقاه عشرات المرات من كل صديق وصاحب، وفي كل مجموعة، فهل يمكن لنا أن نسأل أطباء النفس، وعلماء الإجتماع عمّا نشعر به ونعيشه، أهو أمر طبيعي، أم هو حقا إدمان سيوصلنا إلى ما لا ندري ما نهايته؟ فإن لمواقع التواصل نفعا وإن لها لحاجة، بل وأحيانا ضرورة، وهذا مما لا يمكن أن ينكر، لكن المعيب في هذا هو الغلو في إستعمالها، وقد أهلك من كان قبلنا الغلو، كما أخبر النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم بذلك فيما صح عنه. 

وكان تحذيره عليه الصلاة والسلام من الغلو في مناسبة قد لا نعيرها إهتماما، وكان ذلك بعد أن التقطت لها حصى الجمرات، وهناك غلو مقابل لهذا الغلو وهو إهمال هذه المواقع تماما، والتفاخر أحيانا بأنه لا يستعملها ولا يراها، وليس لها نفع ألبتة، وكل من الطرفين غلو، أحدهما في الإستعمال والآخر في عدمه، وسيتضح لك أن هذا الغلو مهلك لو تابعت بعض المقاطع التي تحذر من إدمان النظر في الهاتف، والتي قد يورد مدمنها المهالك، ويكفيك أن تعلم أن كثيرا من أسباب الحوادث المرورية في هذا العصر الحديث هو إستعمال الهاتف المحمول أثناء القيادة، والذي يستعمل هاتفه ليرسل أو يكتب محادثة أو يقرأ تغريدة، أو يتأمل مقطعا علي اليوتيوب، أثناء القيادة، فلا شك أنه مدمن مواقع التواصل، ومهما كان الأمر مهما.

فإنه ليس أهم من حياة الإنسان وصحته وعافيته وسلامته، وحفظه لماله، وقد تستغرب إذا قلت لك وحفظه لوقته، فهو يظن أنه يحافظ على وقته الثمين حين يستعجل النظر في رسالة، بينما هو في الواقع قد يتأخر ساعات عن مراده، وربما فقد جزءا من صحته أو كل حياته، وكل واحد من المصابين في تلك الحوادث لو سألته لما زاد في جوابه على أنه لم يكن يتوقع النتيجة، ولم يكن يحسب أنها ستقع له، فقد كان موقنا بحرفيته، وقدرته على الإنتباه للطريق وللهاتف في آن، حتى كان ما كان، والنتيجة من هذا أخي الحبيب أن سوء الإستخدام يقضي على منفعة المستخدم مهما كان نافعا، وحتى الدواء الذي يفترض أن يقضي على المرض، فإن سوء إستخدامه قد يزيد المرض أو يؤدي إلى مرض أشد منه وأخطر، ويظهر أن إدمان السوشيال ميديا من أشد أمراض العصر خطورة، في ذاتها وفي إستخدامها، إلا من رحم الله تعالي هذا، والله من وراء القصد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى