الآثار المترتبة على استعمال الحق غير المشروع.

من المعلوم بالضرورة أن إستعمال الحق غير المشروع هو أحد مصادر الإلتزام, والإلتزام بمعناه هو رابطة قانونية یلتزم بمقتضــــــاها المدین بأداء مالي معین، ويجبر على تنفیذه إن لم یوفه إختيارا. وقد نصت المـادة (5) : يكون استعمال الحق غير المشروع أ)إذا لم يقصد به سوى الأضرار بالغير. ب) إذا كانت المصالح التي يرمى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.ج) إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة.
مثال : قضاء المحكمة برفض طلب الطاعن توجيه اليمين الحاسمة في شأن واقعة الوفاء بمبلغ مالي من الدين العالق بذمته على سند من القول بأن الدعوى ظلت متداولة أمام محكمة أول درجة فترة استطالت اثنى عشرة عاما دون أن يزعم الطاعن وفاءه بذلك المبلغ الذي يدعيه وأنه ما استهدف بهذا الطلب استظهارا من ظروف الدعوى وملابستها سوى الكيد لخصمه وإطالة أمد التقاضي, لما كان ذلك, وكان هذا الذي أورده الحكم كافيا في حدود سلطته التقديرية لحمل قضائه في استخلاص التعسف المبرر لرفض طلب توجيه اليمين الحاسمة, فإن النعى على الحكم المطعون فيه بهذا الوجه يكون على غير أساس.
مثال آخر: قضاء الحكم برفض طلب الطاعن إزالة أجهزة التكييف الخاصة بالمطعون ضدهم والمثبتة في حائط مسكنه استنادا إلي تقرير الخبراء من أن هذه الأجهزة وإن كانت تسبب ضررا للطاعن إلا أن وجودها ضروري بالنسبة للمطعون ضدهم مع انتفاء قصدهم في الإضرار وعدم اعتباره استعمالا غير مشروع طبقا لنص المادة 5 من القانون. التفات الحكم المطعون فيه عن حقيقة السبب القانوني الذي تقوم عليه الدعوى وهو الاستعمال غير المألوف من المطعون ضدهم لتلك الأجهزة وتسببها في ضرر فاحش للطاعن يجيز له طلب إزالتها مغفلا دلالة ما أورده تقرير لجنة الخبراء من كون تلك الأجهزة تسبب ضررا كبيرا للطاعن بما يحول بينه وأسرته والاستعمال الطبيعي لمسكنه مع إمكانها نقلها إلي مكان آخر. مخالفة وقصور.
ويثار تساؤلا هل من ثمة إرتباط بين نص المادة 5 و163 من القانون المدني؟
الحقيقة ليس هناك ثمة إرتباط بين نصي المادتين فالمادة الخامسة من القانون المدني تناولت استعمال الحق استعمالا غير مشروع وهذا واضح فالمثال الأول/ استعمل الطاعن حقه في الدفاع وهو توجيه اليمين الحاسمة إلا أن طلبه تم رفضه لأن الطاعن ما كان يقصد من هذا الاستعمال إلا الإضرار بالمطعون ضده وذلك بإطالة أمد النزاع, وفي المثال الثاني استعمال المطعون ضدهم للحائط المملوك للطاعن وتركيب جهاز تكييف كان استعمال لحقهم استعمالا غير مشروع نظرا لما لحق الطاعن من ضرر حال دونه وأسرته من الإستعمال الطبيعي لمسكنه.
أما عن المادة 163 مدني ونصها ” كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من أرتكبه بالتعويض” هذا الخطأ قد يكون ناتج عن المسئولية العقدية أو المسئولية التقصيرية وأن كان لكل من المسئوليتين أحكاما مستقلة تختص بها دون الأخرى.
وللإستفاضة حول استقلال أحكام كل من المسئولتين.
) دل المشرع بإفراده لكل من المسئوليتين التعاقدية والتقصيرية أحكاما مستقلة تختص بها دون الأخرى, على أنه وضع المادة 177/ 1 لحماية غير المتعاقدين في حالة تهدم البناء أو جزء منه . أما من يربطه بحارس البناء عقد إيجار فإن أحكام هذا العقد ونصوص القانون المدني الواردة في الفصل الأول من الباب الثاني من الكتاب الثاني التي تنظم عقد الإيجار تكون هي وحدها الواجبة التطبيق لتحديد مسئولية المؤجر . ولا يغير من ذلك ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون المدني تعليقا على المادة 565/ 2 الواردة في الكتاب الثاني ضمن أحكام عقد الإيجار من أنه ” إذا كان بالعين المؤجرة عيب يعرض صحة المستأجر ومن معه لخطر جسيم وأصابه من ذلك ضرر بالفعل . وثبت خطأ في جانب المؤجر فإن المستأجر يستحق التعويض طبقا لقواعد المسئولية التقصيرية, ويجوز له أيضا أن يطلب فسخ العقد ولو كان قد تنازل عن هذا الحق مقدما لأن الأمر يتعلق بالنظام العام ” ذلك أنه وقد خلت هذه المادة من عبارة ” طبقا لقواعد المسئولية التقصيرية ” وورد نصها أمرا في تنظيم أحد التزامات المؤجر المترتبة على العقد فإنه لا يخرج مسئولية المؤجر – في خصوص هذا الإلتزام – عن طبيعتها ولا يحيلها إلى مسئولية تقصيرية وذلك مالم يثبت أن االمؤجر ارتكب خطأ جسيما أو غشا أو فعلا يؤثمه القانون على النحو السالف بيانه .
(الطعن رقم 280 لسنة 34 ق جلسة 16/ 4/ 1968).
) إنه وقد اعتبرت الطاعنة (المرسل إليها) طرفا ذا شأن في سند الشحن فإن العلاقة بينها وبين الشركة المطعون ضدها (الناقلة) يحكمها سند الشحن وحده, وهذا السند هو الذي يحدد التزام الشركة المطعون ضدها وفي الحدود التي رسمها ذلك السند وهي حدود لا تترتب عليها إلا المسئولية العقدية, وليس للطاعنة أن تلجأ إلي المسئولية التقصيرية إذ أساسها الإخلال بالتزام فرضه القانون والإلتزام في خصوصية النزاع لا مصدر له إلا سند الشحن ما دامت الطاعنة لم تدع أن العجز نتج عن اقتراف المطعون ضدها لفعل يحرمه القانون.
(الطعن رقم 60 لسنة 30 ق جلسة 25 /2/ 1965).
) إذا تمسك المستأجر بالبقاء في العين المؤجرة تنفيذا لعقد الإيجار ولم يرضخ لإرادة المؤجر في أن يستقل بفسخ العقد فإنه يستعمل حقا له استعمالا مشروعا ومن ثم فلا يمكن أن يتخذ من مسلكه هذا دليلا على التعسف في استعمال الدفع بعدم التنفيذ. فإن دلل الحكم المطعون فيه على إساءة المستأجر استعمال الدفع بعدم التنفيذ (بالإمتناع عن الوفاء بالأجرة لقيام المؤجر بأعمال التعرض) بأن لم يستجب لرغبة المؤجر في إخلاء مسكنه وأصر على البقاء وتنفيذ العقد فإن هذا التدليل يكون فاسدا منطويا على مخالفة للقانون.
(الطعن رقم 350 لسنة 30 ق جلسة 11/11/ 1965).
ومما يدلل على عدم الإرتباط بين النصين نص المادة 4 مدني ونصها “من استعمل حقه إستعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر.
فالمقرر في قضاء محكمة النقض أن الأصل حسبما تقضي به المادة 4 مدني أن” من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر” باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ في استعمال صاحب الحق لحقه في جلب المنفعة المشروعة التي يتيحها له هذا الحق. وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل, وحددت المادة 5 من ذلك القانون حالاته على سبيل الحصر بقولها “يكون استعمال الحق غير المشروع فى الأحوال الآتية: أ)إذا لم يقصد به سوى الأضرار بالغير.
ب)إذا كانت المصالح التي يرمى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها. جـ)إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة. وذلك درءا لاتخاذ ظاهر القواعد القانونية شعارا غير أخلاقي لإلحاق الضرر بالغير. وكان البين من استقراء تلك الصور أنه يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابي بتعمد السير إلي مضارة الغير دون نفع بجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبي بالإستهانة المقصودة بما يصيب الغير من ضرر من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالا هو إلي الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار العمدي.
تحياتي د/ محمد عويان المحامي .
01004820476

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى