الدكـــروري يكتب: يا أيتها النفس المطمئنة

 

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه واشهد ان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه وعلى اله وصحبه وجميع أخوانه، أما بعد عباد الله اتقوا حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون وبعد هذا هو الصحابي سعيد بن جبير رضي الله عنه، يوم يروي لنا قصة صحيحة متواترة، كما قال الذهبي في سيره، فيقول لما مات ابن عباس رضي الله عنه بالطائف، جاء طائر لم يري على خلقته مثله فدخل نعشه، ثم لم يخرج منه، فلما دفن إذا على شفير القبر، تالي يتلو، لا يُرى “يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” فيا لها من خاتمة، وياله من مصير، فيا من من قطعت صلتك بالمساجد، ماذا تقول إذا بلغت الروح الحلقوم؟ ويا من أنشأت أولادك على الفساد، وجلبت لهم ما يسيء إلى القيم والاعتقاد؟ 

ويا من أدمنت الخمور والمخدرات ووقعت في الزنا وهتك الحرمات؟ ويا من ظلمت العباد وسعيت بالفساد؟ هل ستوفق للنطق بالشهادتين عند الموت أم يحال بينك وبينها كما فعل بغيرك؟ ويا هاتك الحرمات لا تفعل، ويا واقعا في الفواحش أما تستحي وتخجل؟ ويا مبارزا مولاك بالخطايا تمهّل، فالكلام مكتوب، والقول محسوب، واعلموا بأن من مات له قريب فجأة فليحتسب ويصبر فور علمه لأن الصبر عند الصدمة الأولى كما جاء في الحديث، ويسعى في نفعه بالصدقة عنه، والدعاء له، وإبراء ذمته من الحقوق التي عليه كما روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال نعم ” وبما أن الموت قد يفجأ العبد في أي لحظة فواجب عليه أن يكون مستعدا له بالتوبة والإستغفار والعمل الصالح.

ومجانبة الموبقات وسائر المحرمات، وأن يكتب وصيته لبيان ما له على الناس، وما للناس عليه، فروى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة” قال عبد الله بن عمر ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي ” رواه الشيخان، ولما منّ الله تعالى على البشرية بإكتشاف أمصال وتلقيحات ضد الأمراض المعدية، والأوبئة الفتاكة كانت الأعاصير والزلازل والفيضانات ميادين رحبة لموت الفجأة تضرب بلادا في لحظة فتهلك أهلها وتتركها خرابا يبابا، ولا قدرة للبشر على مواجهتها أو دفعها أو تخفيفها، وعقب إختراع الطائرات والسفن العملاقة. 

أضحت مجالا جديدا من مجالات موت الفجأة بسقوط الطائرات وغرق السفن، فتهلك فيها أنفس كثيرة ما كانت تظن أن ركوبها فيها هو آخر العهد بالحياة، وأما الموت المفاجئ الخاص فيقع لفرد أو أسرة على إثر هدم أو حريق أو غرق أو نحوه، ثم كانت حوادث السيارات في العصر الحاضر من أوسع المجالات الفردية لموت الفجأة، فيخرج الرجل أو الأسرة من منزلهم بسيارتهم فيؤتى بهم إلى ثلاجة الموتى، وقد يموت العبد بشيء لا يظن أنه يموت به أبدا، وفي حجة الوداع وقع رجل في عرفة من راحلته فوقصته فمات، وكم من سقوط لا يميت في العادة هلك به صاحبه، وكم من ضربة لا تؤلم مات المضروب بها، وليست إلا مقادير قدّرت على بني آدم، كانت هذه أسبابها، كبرت الأسباب أم صغرت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى