حروب المسلمين مع عدوهم لاتحسم بكثرة العدد .. الكاتب/ محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله فتح بابه للطالبين وأظهر غناه للراغبين، وبسط يده للسائلين، قصدته الخلائق بحاجاتها فقضاها، وتوجهت له القلوب بلهفاتها فهداها، وضجت إليه أصوات ذوي الحاجات فسمعها، ووثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعها، وطمعت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، بابه الكريم مناخ الآمال ومحط الأوزار ، لا ملجأ للعباد إلا إليه ولا معتمد إلا عليه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين فهدى الله به من الضلالة وبصر به من الجهالة وكثر به بعد القلة وأغنى به بعد العيلة ولمّ به بعد الشتات وأمّن به بعد الخوف فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد إذا كان الله تعالي أنعم عليك أخي الكريم بالصحة.

فهذا صحابي أعرج رخص له في عدم الخروج ومع ذلك خرج لطلب الشهادة، ألا وهو عمرو بن الجموح رضي الله عنه فكان شيخا من الأنصار أعرج، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر قال لبنيه أخرجوني أي للقتال، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم عرجه، فأذن له في البقاء وعدم الخروج للقتال، فلما كان يوم أحد خرج الناس للجهاد، فقال لبنيه أخرجوني، فقالوا له قد رخص لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدم الخروج للقتال، فقال لهم هيهات هيهات منعتموني الجنة يوم بدر والآن تمنعونيها يوم أحد، فأبى إلا الخروج للقتال فأخرجه أبناؤه معهم، فإستشهد في أحد، فإذ به “يخوض في الجنة بعرجته” كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولقد كانت غزوة مؤتة مليئة بالدروس، حافلة بالبطولات، تعطي البرهان على أن الإيمان إذا استقر في القلوب. 

وعمل عمله فيها، قاد النفوس إلى إستقبال المنايا، وتمني الموت، إبتغاء رضوان الله تعالى وهكذا سقط القادة الثلاثة في مؤتة الواحد منهم تلو الآخر، ولم يكن همهم أنفسهم والرماح والسيوف قد خالطت أجسادهم، بل همّهم الإسلام، فلم تسقط رايته من أيديهم رغم ما لاقوه من ألم القتل والتمزيق، وإن طبيعة البشر هو عدم الإهتمام عند الموت إلا بالموت وسكراته، لكن أولئك القادة نسوا ما هم فيه، وقضى كل واحد منهم نحبه وقلبه مع الإسلام، وإن هذه النماذج من البشر إذا وجدت في الأمة تحقق لها النصر بإذن الله تعالى، فإن مجاهدي غزوة مؤتة برهنوا برهانا واضحا على أن حروب المسلمين مع عدوهم لاتحسم بكثرة العدد، أو قوة العتاد بل الفيصل فيها قوة الإيمان، وصدق التوكل على الله تعالى والإخلاص في طلب الشهادة، وتلك سنة أبدية.

وهي مفسرة لأسباب هزائم المسلمين المتتابعة متى ما ضعف الإيمان، أو تخلف التوكل والإخلاص كما هو حادث في أزمنة الضعف والإنحطاط حتى ولو كان المسلمون أعدادا كثيرة، فهم بدون إيمان ويقين وإخلاص وتوكل غثاء كغثاء السيل، وإن كل مسلم في الأرض مسؤول عن الأمة ماذا قدم لها؟ فهل حافظ على فرائض الله تعالى حتى لا يتخلف النصر بسببه؟ وهل أدى الأمانة فيما إسترعاه الله تعالى عليه من أهله وذريته، وفي عمله ووظيفته لكيلا يتخلف نصر الله تعالى بسببه؟ وهل سعى في الإصلاح على قدر إستطاعته وجهده؟ هل أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأخذ على يد السفيه، وعلم الجاهل حتى يتحقق النصر؟ فإن مشكلتنا اليوم هو أن كل واحد منا يتنصل من مسؤولياته، ويلقي باللائمة على غيره.

بينما في غزوة مؤتة لم تسقط الراية حتى بعد مقتل القادة الثلاثة، وأحس كل فرد من أفراد الجيش المسلم أن الراية لو سقطت فإنه المسؤول عنها دون غيره، فإننا نحتاج إلى هذا الشعور بالمسؤولية حتى يأتي نصر الله تعالى، فاتقوا الله ربكم، وإستمسكوا بدينكم، فلا نصر إلا بالإستمساك بالإسلام، والأخذ به قولا وعملا وتقديم حق الله تعالى على أهواء النفوس وشهواتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى