بين الحب والواجب قصه قصيره

الباحث الأديب  عبده داود وقصة

بين الحب والواجب.

تقول القصة بأنه في احدى جزر الشرق الأقصى، في عيد النيروز كل سنة يحتفلون بعودة شهر آذار فصل الربيع…

تجرى مسابقات رياضية، ومهرجات رقص وغناء، ويقيمون أيضا مسابقات والعاب كثيرة متعددة، ويقدمون جوائز للاعبين، الفائزين.

هذه السنة قرر الملك جعل الهدية كبيرة تشجيعاً للعبة الشطرنج، وتفاخراً منه بانه من الشعب، ويحب شعبه، وهو يعرف بأن لا أحد في المملكة قادرا أن يتغلب عليه لذلك أعلن عن جائزة مختلفة تلك السنة: يحق للرابح إذا تغلب على الملك أن يختار ما بين الزواج من ابنته شريطة موافقتها أولاً، أو ينال تمثال من الذهب الخالص قيمته كبيرة جدا.

الملك كان يدرك بأن الأميرة لن تقبل أن تتزوج غير أمير من الأمراء… أو أبن ملك.

وكذلك كان يدرك بأن الكأس الذهبي لا يسطيع أحد الفوز به لأن الملك كان يعرف تماماً بانه الأقوى ولم يخسر يوما في تلك اللعبة، وبهذه الحيلة، يقنع الناس بتواضعه ومحبته لهم

وبأن الملك من الشعب ومع الشعب…

انتهت التصفيات الرياضية، وجاء يوم مسابقة الشطرنج، غصت القاعة بحاشية القصر… في القاعة الكبيرة التي خصصوها لأجل تلك اللعبة… جلس الحكام حول الطاولة.

دخل الملك تتأبط ذراعه ابنته الأميرة الحسناء فائقة الجمال، وعلا التصفيق وهو رفعا ذراعه يحي الحضور.

جلس الملك على الكنبة الملكية مزهوا بعظمته، وابنة الملك جلست بالقرب من ابيها. وأجلسوا اللاعب الفائز الأول في مباريات الشطرنج قبالة الملك…

شاب وسيم. جماله رجولي ساحر، اسمر ممشوق بلون القمح، عيناه خضراوان تشعان ذكاء، وابتسامته هادئة ويبدو بأنه واثقاً من قدرته تماماً.

كان الملك يضحك مبتسما ، غير مكترث بالخصم واثقا من النصر وسوف يحقق فوزا يزيده عظمة وغرورا أمام شعبه.

وبدأت المباريات،

جرت تنقلات أولية افتتاحية معتادة، كان الشاب ينقل أحجاره بقوة الواثق المتمكن، وكان الملك يضحك غير مكترث بالشاب قبالته.

الشاب كان يسرق النظر إلى الأميرة، في الحقيقة هاله جمالها وانوثتها. وتساءل هل يعقل أن تقبل هذه الصبية الأميرة أن تكون زوجة شاب ابن فلاح مثلي… كان يلعب ويرد على هجمات الملك القوية بسهولة أذهلت الملك…

احتدمت المباراة، وأحس الملك بأنه أمام خصم، عنيد وقوي غير عادي… وصار واجماً، وبعدها صار العرق يتصبب من جبينه، وشعر بأن اللعبة قد يخسرها وقد باتت لصالح الخصم، الاميرة أعجبت بجمال الشاب ونظراته الذكية وكان قلبها يرتجف كلما تقاطعت نظراتها مع نظرات الشاب الساخنة، وقد تمنت بأن والدها ينهار حتى هي تفوز بالشاب.

أخيرا كانت حركة حصان الشاب المفاجئة قوية قاضية على شاه الخصم…

أعلن الحكام فوز الشاب، وساد صمت ووجوم في القاعة. ما عدا الشاب والاميرة كان يبدو عليهما السعادة والرضى. وقلب الأميرة يرقص فرحا.

بقي الملك جالساً صامتاً برهة حتى استطاع أن يلتقط أنفاسه اللاهثة… ولم يبقى بين يديه سوى الورقة الرابحة الأخيرة أن تقول ابنته لا، وكيف لا تقول لا، هل يعقل أن تقبل الأميرة أن تقول نعم. هذا مستحيل، ابنتي ستتزوج ملكاً أو ابن ملك، لا واحدا من رعاع الشعب لا نعرف من أين أتى؟

التفت الملك نحو ابنته متوسلاً بعينيه راجيا أن تنقذه من تلك الورطة الكارثية التي أسقط ذاته فيها…

كان الناس في القاعة صامتين ينتظرون قرار الأميرة…وكانت المفاجئة التي أذهلت الجميع: الأميرة قالت: بغنج ودلال نعم، أنا موافقة…

أنهار الملك تماما، وكان صوته مختنقا ، يكاد لا يخرج، والعرق يتصبب منه قال: متأتا متلعثما: الاميرة موافقة. لك الحرية بطلب يد ابنتي، او الحصول على تمثال الذهب ذاك، وكيس ذهب اضافي من مالي الخاص…

ساد صمت في القاعة وهم ينتظرون اختيار الشاب

دمعت عيناه الشاب، وقال: يا للأسف، انا لم أحلم يوماً بالزواج من أميرة مثل هذه الأميرة رائعة الجمال، أنها ملكت أحاسيسي، وجعلتني انهار أمام هذا الجمال.

وأنا لست طالبا للنقود. ولا راغباً فيه… أنا اريد قمحاً لأبناء قريتي الذين يعاينون من الجوع…الفقر يسكن في قريتي والجوع ينهش في عظامنا…ارتبك الملك، وأحمر وجه الاميرة، وعاد الصمت والذهول إلى القاعة مجدداً…

قال الملك: غريب هذا الأمر، أنا ارسل القمح إلى جميع القرى، لماذا أنتم؟

قال الشاب: القمح موجود في خزائن الفاسدين في المملكة، يبيعونه للناس بأسعار تعجيزية.

طلب الملك اجراء محاكمات فورية ، اتضح فعلا بأن بعض الوزراء متعاونين ومنهم وزيري العدل والداخلية ينهبون الدولة، حتى بات الشعب يعاني من المجاعة.

صادرت الدولة أموال وأملاك الفاسدين وتم سجنهم لمدة لا تنتهي. وتم توزيع القمح المصادر على القرى المنهوبة.

طلب الملك من الشاب المثول أمام مجلس الشيوخ ودارت حوارات مع الشاب وأدرك الجميع بان هذا الشاب شهم، شجاع، اخلاقه رفيعة، في زمان بات فيه الضمير غائبا.

وقف الملك وصافح الشاب الغريب ، وقبله وقال له كم أنت رائع يا هذا؟ وقال الملك لك القمح لأبناء ضيعتك، وقال كلمته الشهيرة: (الملك هو الذي يحمل الله في قلبه، وليس من يضع التاج على رأسه) ومن الآن اسميتك وزيرا للعدل. وسأزوجك ابنتي وستسكن في قصري أميرا معززاً مكرماً. ولن نترك للفاسدين مكانا بيننا. وفي حفل ملكي كبير. حضره كبار القوم وايضا أهل قرية الشاب تم زواج ذاك البطل من الأميرة.أثبت الشاب بان الحكمة والأخلاق هما أساس السياسة، وأثبت أيضا بأن الشرف والوفاء هما أساس الحكم..وبعد سنوات توفي الملك، وانتخب مجلس الشيوخ بالإجماع الشاب ملكا على بلدهم. وكان اختيارهم ناجحاً.

متابعة محمد سليمان مدير تحرير وكالة انباء أسيا بايطاليا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى