دليل وجوب الكفارة في قتل العمد .. بقلم / محمـــد الدكـــرورى

إن الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه وتعالى على امتنانه، ونشهد بأنه لا إله إلا الله تعظيما لشأنه، وأن محمدا عبده ورسوله داع لرضوانه، وصلّ اللهم عليه وعلى آله وخلانه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد، روري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في وادي كثير العضاه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة وعلق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي فقال ” إن هذا إخترط علي سيفي وأنا نائم، فإستيقظت وهو في يده صلتا” فقال من يمنعك مني؟ فقلت الله ثلاثا، ولم يعاقبه وجلس”
ومن عفوه صلى الله عليه وسلم أنه عفا عن اليهودية التي جاءت بالشاة المسمومة، وذلك في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه ” أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها فقيل لها ألا نقتلها قال لا” وفي رواية مسلم أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت “أردت لأقتلك قال “ما كان الله ليسلطك علي” قالوا ألا نقتلها قال “لا” وورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قتل هذه المرأة لكن لم يكن لأجل شخصه ولكن لأنها تسببت في مقتل رجل آخر، وإن هناك سؤال يقول ما هو حكم قتل النفس عمدا علما بأن القاتل تاب توبة نصوحة كما أنه يجهل أهل الميت؟ وهو أن قتل النفس التي حرم الله عمدا عدوانا يعد من أكبر الكبائر.
ويبين ذلك قول الله تعالى ” ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ” وروى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع “إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا” وإذا تاب القاتل تاب الله عليه، وغفر له، وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب فأتاه، فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة؟ فقال لا، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة”
فدل ذلك على قبول توبة من قتل نفسا بغير حق، وعليه مع التوبة كفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وهذا في حالة عدم القصاص، وإذا طلب أولياء القتيل القصاص سقطت الكفارة على القول الراجح، وكان قتله كفارة له، لما في صحي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” فمن أصاب من ذلك شيئا ما يوجب حدا كالسرقة والقتل فعوقب به في الدنيا، فهو كفارة له” ودليل وجوب الكفارة في قتل العمد هو ما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا قد أوجب “استحق دخول النار لقتله عمدا” فقال أعتقوا عنه، يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار” وقال الإمام الشافعي رحمه الله “إذا وجبت الكفارة في الخطأ فلأن تجب في العمد أولى”
وتجب الدية في قتل العمد على القاتل معجلة في ماله إذا لم يعف أولياء القتيل، وفي حالة موت الأولياء، أو عدم معرفتهم، أو كونهم كفارا حربيين، تؤدى الدية لبيت مال المسلمين، فعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه” رواه ابن ماجه، وقال ابن العربي لا خلاف بين المسلمين أن على قاتله المسلم الدية لبيت المال، وأن كون أقربائه كفارا لا يوجب سقوط ديته، لأنهم بمنزلة الأموات حيث لا يرثونه” فإن لم يوجد بيت المال، أو وجد، وكان يصرف في غير وجهه الشرعي، فينبغي للقاتل التصدق بالدية على الفقراء والمساكين، أو إنفاقها في المصالح العامة بنية الصدقة على القتيل والله أعلم.