الدكـــروري يكتب: القلوب تحيا بالحكمة

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي وصية الله للأولين والآخرين، كما قال تعالى ” ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ” أما بعد إنه ينبغي علينا جميعا الحرص على مجالسة أهل العلم، حيث قال أبو الدرداء رضي الله عنه “من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومخرجه ومجلسه مع أهل العلم”
وقال لقمان يا بنيّ جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك فإن القلوب لتحيا بالحكمة، كما تحيا الأرض الميتة بوابل المطر” وقال جعفر بن محمد رحمه الله لابنه يا بنيّ، من خالط العلماء وُقر” وقال عمرو بن قيس رحمه الله “الشاب إن آثر أن يجالس أهل العلم كاد أن يسلم” وقال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله “ما عاشرت إلا أمثالي من طلبة العلم” وكما ينبغي علينا جميعا الحرص على مجالسة من ماتوا من السلف بقراءة كتبهم، حيث قال أبو داود ” قلت لعبدالله بن المبارك من تجالس؟ قال أجالس شعبة وسفيان، رحم الله الجميع، قال أبو داود “يعني أنظر في كتبهما” وكذلك الحرص على مجالسة من يزهّدك في الدنيا، فقال سفيان الثوري رحمه الله ” ليكن جليسك من يزهدك في الدنيا، ويرغبك في الآخرة”
وكذلك الحرص على صحبة العاقل “قال طاوس بن كيسان اليماني رحمه الله لابنه يا بني، صاحب العقلاء تنسب إليهم وإن لم تكن منهم” وقال الإمام ابن حبان رحمه الله الواجب على العاقل، لزوم صحبة العاقل الأريب وعشرة الفطن اللبيب، وصحبة العاقل إن لم يصبك الحظ من عقله أصابك الإعتبار به، وقال الإمام ابن عقيل رحمه الله صداقة العقلاء قرابة الأبد، وقال الإمام الغزالي رحمه الله ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته أن يكون عاقلا، وإنه ينبغي علينا الحرص على صحبة حسن الخلق، حيث قال الفضيل بن عياض رحمه الله ” إذا خالطت، فخالط حسن الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى الخير، وصاحبه منه في راحة” وقال الإمام الغزالي رحمه الله ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته أن يكون حسن الخلق.
إذ رُبّ عاقل يدرك الأشياء على ما هي عليه ولكن إذا غلبه غضب، أو شهوة، أو بخل، أو جبن أطاع هواه، وخالف ما هو المعلوم عنده لعجزه عن قهر صفاته وتقويم أخلاقه، فلا خير في صحبته، وقال بعض الأدباء لا تصحب إلا من يكتم سرك، ويستر عيبك، ويكون معك في النوائب، ويؤثرك بالرغائب، وكما أنه ينبغي علينا الحرص على صحبة من يستحيا منه، حيث قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أحبّوا الطاعات بمجالسة من يستحيا منه، وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل رحمه الله ما أوقعني في بلية إلا صحبة مَن لا أحتشمه، وقال ابن نجيد رحمه الله عاشر من تحتشمه، ولا تعاشر من لا تحتشمه.
وقال الإمام ابن قتيبة رحمه الله كان يقال أحيوا الحياء بمجالسة من يستحيا منه، وقال الإمام السلمي رحمه الله صحبة من يستحيا منه ويحتشمه ليزجره ذلك من المخالفات.