المنافقون ما بين الخذلان والخيانة .. الكاتب: محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، ثم أما بعد إن من أكبر صفات المنافقين هو الخذلان والخيانة وقت الحاجة، وللمنافقين في غزوة الخندق خيانة أخرى، كان من أبرز ما عبّر به المنافقون عن مواقفهم المتخاذلة في غزوة الخندق هو النكوص عن المشاركة في حفر الخندق، وقلة إنضباطهم في صف المسلمين، وكثرة ترددهم إلى بيوتهم بهدف تفتيت الصف، ونشر التخاذل بين المجاهدين، ويقول تعالى كما جاء في سورة الأحزاب ” قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا ” وأخذ المنافقون ينفثون مكنون نفوسهم.
ويعملون على نشر الوهن والخذلان في صفوف المؤمنين، ويكذبون وعد الله ورسوله بالفتح، وهنا يقول الله تعالى ” وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا” وأخذوا يتندرون بأحاديث الفتح ويسخرون منها، وقالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “يخبركم أنه يبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنتم تحفرون الخندق لا تستطيعون أن تبرزوا” وقال تعالى ” وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا” وكانوا يحرضون أهل المدينة على ترك الصفوف والعودة إلى بيوتهم، ويتعذرون بأن بيوتهم عورة، وقد فضحهم الله تعالى في قوله ” ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا” ومع كل هذا لم يستطع المنافقون أن يفتوا في عضد المسلمين الصادقين.
فثبتوا عند الخندق حتى أرسل الله تعالى الريح على الأحزاب فانقلبوا خاسرين، وفرح المؤمنون بنصر الله تعالي، وحكى أبو سعيد أنه كان في بني اسرائيل رجل صالح وله زوجة متدينة تقية ذات رأي وحزم فأوحى الله تعالى الى نبي الزمان أن قل لذلك العبد الصالح أني قدرت له أن يمضي نصف عمره بالغنى ونصفه بالفقر فإن إختار أن يكون غناه في شبيبته أغنيناه وإن إختار أن يكون في شيخوخته قدرنا له ذلك فيسرناه له، ولما أعلم الرجل ذلك أخبر به زوجته وقال لها قد جاء خطاب من الله تعالى وقص عليه ما سمعه وقال لها ما تريد فقالت له الإختيار اليك فقال الرجل قد رأيت الفقر في الشبيبة فإذا كنت شابا فقيرا إحتملت وصبرت عليه فإذا صرت كبيرا غنيا كان لي ما أتقوت به وأشتغل بطاعة ربي وعبادته فقالت المرأة أيها الرجل.
إذا كنا في الشبيبة في ضنك ولم نقدر على طاعة ربنا تعالى ولم تصل أيدينا الى فعل الخيرات وإعطاء الصدقات فالواجب أن تختار الغنى في زمان الشباب فيكون لنا شباب وغنى وطاعة فنقدر حينئذ على عبادته بإجسمامنا وأموالنا فقال الرجل نعم ما رأيت وكذلك نفعل فنزل الوحي على ذلك النبي عليه السلام فقال قل لذلك الرجل إذا آثرت طاعتنا واستفرغت جهدك في عبادتنا واتفقت نيتك ونية زوجتك على طاعتنا فقد قضيت وقدرت أن أقضي جميع عمرك في الغنى وكن أنت وزوجتك على عبادتي ومهما رزقتكما فتصدقا به على بريتي ليكون لكما حظ الدنيا والآخرة، وقال صاحب الكتاب وما أوردنا هذه الحكاية إلا لتعلم قدر الزوجة الصالحة وما فيها من النعمة من الله تعالى.
واعلم أن ديانة المرأة وسترها نعمة من نعم الله تعالى على عباده وهيهات أن يقدر على المرأة العفيفة طامع كما جاء في الحكاية، ويقال أن الحسن البصري رحمة الله عليه قصد زيارة رابعة العدوية رضي الله عنها في جماعة من أصحابه فلما وصلوا الباب قالوا أتأذنين لنا في الدخول فقالت تمهلوا ساعة وجعلت الكساء بينها وبينهم سترا وأذنت لهم فدخلوا وسلموا عليها فأجابتهم من وراء الستر فقالوا لم علقت بيننا وبينك سترا فقالت أمرت بذلك في قوله تعالى ” فاسألوهن من وراء حجاب ” وواجب على الرجل أن لا ينظر الى امرأة أجنيبة بحال فإنه قبل أن يجازي به في الآخرة يجازي به في الدنيا كما جاء في الحكاية.