علي بدر سليمان يكتب الفتاة الصغيرة سارة

الفتاة الصغيرة سارة
بقلمي علي بدر سليمان
يعلو صوت القصف وأصوات القذائف على كل شيء ويأخذ الناس بالصراخ والضجيج.
ويبدؤون بمغادرة منازلهم وسط حالة من الذعر
والخوف.
وكل منهم يحاول أن يأخذ أقل مايملك
من احتياجاته من الطعام واللباس والأغطية
ويساعد الناس بعضهم البعض في حمل الأغراض
والبعض الآخر يستقل سيارة حتى يبتعد عن
مكان الخطر وتساقط القذائف فوق رؤوس
القاطنين.
تبكي الطفلة الصغيرة سارة بحرقة وترتعد فرائصها
من شدة الخوف والفزع والدمع يسيل بغزارة على خديها الصغيرين الجميلين الذين يعكسان طيبة قلبها وبراءتها ونقاء سريرتها وهي تصرخ بقوة:
أسرعي ياأماه
أسرعي ياأمي أرجوك
أصوات الناس تعلو في الخارج
أصوات مرعبة في الجوار
البيوت سوف تسقط فوق رؤوسنا
الناس يرحلون
أسرعي ياأمي أرجوك
الأم:
لا تقلقي ياعزيزتي
سنذهب سويا
لا تذهبي بمفردك انتظري
دعيني أوضب الأغراض قبل أن نرحل ياابنتي
تعود سارة لتصرخ وتقول:
أسرعي ياأمي
فلم يبقى أحد غيرنا هنا
وتمسك سارة يد والدتها وتشدها
فتقول لها والدتها:
لا أقوى على الركض ياابنتي فما عدت قادرة
على الحركة بسرعة.
رويدك ياابنتي
وعندما غادرتا المنزل وبعد مسافة ليست ببعيدة
تنظر سارة إلى الكيس الذي تحمله والدتها
وتقول لوالدتها انتظري ياأمي أرجوك:
الأم:
ماذا بك ياابنتي!
تفتح سارة الكيس وتبدأ برمي الأغراض على
الأرض.
فتسألها والدتها
ما الذي تبحثين عنه؟
تجيبها سارة:
لقد نسيت لعبتي الصغيرة ذات الشعر الأشقر
وتبكي بشدة والدموع تغرق عينيها.
حزنت الأم على طفلتها فقلب الأم الرقيق
لا يقوى على رؤية ابنتها وهي حزينة تبكي.
فقالت لها والدتها :
حسنا ياعزيزتي لا تبكي سأعود للمنزل
لأجلب لك لعبتك.
لكن انتظريني هنا ولا تتحركي
تعود الأم المسكينة للمنزل لتأخذ لعبة ابنتها
الصغيرة سارة فهي تحبها كثيرا ولا تستطيع
أن ترفض لها طلبا وكيف لا وهي مابقي لها من
هذه الدنيا بعد وفاة زوجها نادر وابنها ضرار
ذات السبعة أعوام بقذائف الحقد والغدر
منذ سنة مضت.
وماهي إلا ثوان معدودات تسقط قذيفة في
منزل سارة وأمها في المنزل وقد عادت
لجلب اللعبة الصغيرة.
وكانت سارة تنظر إلى والدتها وهي تدخل المنزل
وكيف سقطت القذيفة فهدمت المنزل وقد جن جنون سارة وأخذت تركض للمنزل بسرعة وهي تصرخ والحزن يملأ قلبها فتقول:
لا تموتي ياأمي أرجوك
لا تموتي ياحبيبتي
تحاول سارة أن توقظ والدتها لكن والدتها قد
فارقت الحياة ربما هي تسمعها لكنها لا تقوى
على الحراك والدماء تنزف من كل جزء في
جسدها.
ومازالت يدها اليمنى المضرجة بالدماء تمسك
اللعبة الصغيرة وكأنما تريد أن تقول لابنتها:
هاهي لعبتك ياحبيبتي فارحلي بسرعة عن هذا
المكان.
يشاهد سارة شاب في مقتبل العمر يدعى أحمد
وهو جار لهم فيحاول أن يهدئ من روعها ويطلب
منها أن تهدأ لكن سارة تمسك يد والدتها ولا تريد
أن تفلتها وتبكي بشدة ومرارة لكن أحمد ينتزعها
من والدتها بقوة ويركض بها مسرعا إلى سيارته
المركونة في نهاية الشارع يضعها ويرحل وأهله
إلى المستشفى فهي الملجأ والمكان الوحيد الآمن
في تلك المنطقة .
لا تستطيع سارة النوم في المستشفى وهي على
تلك الحال فهي حزينة جدا والدمع أحرق عينيها.
تحاول أم أحمد أن تهدئ من روعها
وتطعمها لكن بدون فائدة.
تنام سارة أخيرا من دون طعام أو شراب مثقلة بالجراح فهي تنادي والدتها ولكنها لا تستطيع
أن تجيبها أو ترد عليها.
تتساقط أوراق الخريف وتبدو الغيوم متفرقة ترسم حال الناس المتعبين.
وجوه مكفهرة أتعبتها الحرب وقتلت الفرحة في
قلوبهم بفقد الأحبة وفقد أبسط احتياجات العيش
الإنسانية.
وماهي إلا بضعة أيام أخرى يعاود القصف
وسقوط القذائف من جديد وكأنما كتب على هؤلاء الناس الشقاء والألم والعذاب كل العمر .
وتسقط مجموعة من القذائف فوق تلك المستشفى
التي لجأ إليها أحمد وأهله ومعهم سارة الطفلة الصغيرة.
تخاف سارة كثيرا وتخرج مرعوبة من شدة الصوت واللعبة الصغيرة في يدها لم تفارقها منذ فقدت
والدتها وتشاهد منظرا لم تكن لتريد أن تشاهده
من قبل !
فقد رأت أحمد وعائلته كلها والكثير ممن لجؤوا
إلى تلك المستشفى قد استشهدوا جميعا والدماء
تملأ المكان فانصدمت بما شاهدته أمام عينيها.
فأخذت سارة تركض بسرعة خارج المكان وهي تضم
لعبتها إلى صدرها بشدة والحزن يملأ قلبها والدموع تغرق عينيها وهي تصرخ وتقول:
أين أذهب ياالله أين أذهب ياالله
ملاحظة : هذه القصة من وحي خيال الكاتب ولكنها تصور معاناة أهل غزة والضاحية الجنوبية في لبنان من القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة المنكوب والقرى والأحياء والبلدات في الجنوب اللبناني والظلم الذي لا ينتهي والجرائم المستمرة بحق الإنسانية والمأساة الإنسانية الكبيرة التي يصمت العالم عنها ويصم أذانه عن كل مايحدث في فلسطين ولبنان وجميع الشعوب المستضعفة.