الدكـــروري يكتب: اللمز والتنابز بالألقاب

الحمد لك يا رب العالمين، أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيران ثم أما بعد إن الاستهزاء خُلق ذميم من أخلاق أعداء الله تعالي، تخلق به الكفار والمشركون وتخلق به المنافقون الذين إحترقت أحشاؤهم على دين الله تعالي وأهله، ولذلك كشف الله تعالى هذا الخُلق لنبيه المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ووردت آيات كثيرة في كتاب الله تبين موقف الأنبياء والرسل من هذا الخلق الرديء وأصحابه، بل صرحت هذه الآيات بكفر هؤلاء الهازلين المستهزئين، وثابت من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أرحم الناس بالناس وأقبل الناس عذرا للناس.
ومع ذلك كله لم يقبل عذرا لمستهزئ ولم يلتفت لحجة ساخر ضاحك فحين سخر به وبأصحابه من سخر في مسيره لمعركة تبوك، وجاء الهازلون يقولون إنما كنا نخوض ونلعب، لم يقبل صلى الله عليه وسلم لهم عذرا بل أخذ يتلو عليهم الحكم الرباني الذي نزل من فوق سبع سماوات كما جاء في سورة التوبة “قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم” ولما كان كتاب الله هو كتاب التربية الإسلامية الحقة، فقد حذر الله سبحانه وتعالى المؤمنين ونهاهم عن خلق السخرية والاستهزاء، لكي يقوم المجتمع المسلم على الصدق والحق والاحترام والجدية، بعيدا عن عيوب الجاهلية وأخلاقها، ويقول الله سبحانه وتعالي في سورة الحجراتز
” يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون” ويقول شيخ الإسلام ابن كثير رحمه الله في تفسيرها أنه ينهى الله تعالى عن السخرية بالناس وهو إحتقارهم والإستهزاء بهم، كما ثبت ذلك في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ” الكبر بطر الحق وغمط الناس” ومعني ” وغمط الناس” هو المراد من ذلك إحتقارهم وإستصغارهم وهذا حرام، وإن المجتمع الفاضل الذي يقيمه الإسلام بهدي القرآن هو مجتمع له أدب رفيع، ولكل فرد فيه كرامته التي لا تمس وهي من كرامة المجموع ولمز أي فرد هو لمز للنفس ذاتها.
لأن الجماعة كلها وحدة، كرامتها واحدة، والقرآن في هذه الآية يهتف للمؤمنين بذلك النداء الحبيب “ياأيها الذين آمنوا” وينهاهم أن يسخر قوم من قوم أي رجال من رجال، فلعلهم خير منهم عند الله تعالي، أو أن يسخر نساء من نساء فلعلهن خير منهن في ميزان الله عز وجل، وقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير والرجل القوي من الرجل الضعيف وقد يسخر الذكي الماهر من الساذج الخامل وقد يسخر ذو الأولاد من العقيم وذو العصبية من اليتيم وقد تسخر الجميلة من القبيحة والشابة من العجوز والمعتدلة من المشوهة والغنية من الفقيرة ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس، فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين.
ومن السخرية واللمز التنابز بالألقاب التي يكرهها أصحابها ويحسون فيها سخرية وعيبا، ومن حق المؤمن على المؤمن ألا يناديه بلقب يكرهه ويزري به، وخلاصة القول إن الاستهزاء بالدين وأهله ناقض للإيمان سواء كان هذا الإستهزاء خفيا أم ظاهرا.