أخر الأخبار

دلال ندا تكتب لمسة حنان

لمسة حنان

 

بقلم : دلال ندا

في إحدى القرى البعيدة، كانت تعيش أم تدعى “أمينة”، وهي امرأة بسيطة، لكنها تحمل قلباً مليئاً بالحب والتضحية. كانت أمينة تعمل في الحقل كل صباح، تزرع وتعتني بالأرض لتؤمن قوت يومها وأبنائها. وعلى الرغم من تعبها اليومي، لم تفارقها ابتسامتها أبدًا؛ كانت طاقتها مستمدة من حبها لعائلتها وإيمانها بقدرتها على توفير حياة كريمة لهم.

في إحدى الليالي، مرض ابنها الصغير “علي”، وأخذت حرارة جسده ترتفع. شعرت أمينة بالقلق العميق، فقد كانت تعرف صعوبة الحصول على طبيب في تلك القرية، لكن حبها له كان أقوى من أي عائق. حملت علي بين ذراعيها، وسارت به على الطريق المظلم، تعبر الجبال والوديان، وهي تدعو الله أن يمنحها القوة لتصل إلى أقرب مركز صحي.

عندما وصلت، كانت تكاد تنهار من التعب، لكن فرحتها كانت كبيرة حينما طمأنها الطبيب وأعطى لعلي الدواء المناسب. بكت أمينة من شدة الفرح، وعادت إلى البيت وهي تحمله بين ذراعيها وكأنها تحمل كنزها الأعظم. ومنذ ذلك اليوم، باتت أمينة رمزاً للتضحية والحب، وأصبح أهل القرية يتحدثون عن شجاعتها وإخلاصها، فقد كانت أماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

كبر “علي” مع مرور السنوات، وكان دائمًا يذكر تضحية أمه وما فعلته من أجله في تلك الليلة. لم يكن ينسى وجهها المرهق وابتسامتها الرقيقة التي لم تفارقه، حتى في أشد لحظات التعب والخوف. كان علي يعتبر أمه قدوته ومثله الأعلى في الحياة؛ فقد تعلم منها معنى القوة والعطاء دون مقابل.

عندما أكمل علي تعليمه، حصل على فرصة للعمل في المدينة، وكان هذا يعني أن عليه أن يغادر قريته ويبتعد عن أمه. شعر بتردد كبير، لكنه كان يعرف في داخله أن هذا العمل سيمكنه من تحسين ظروف حياتهم ويجعل أمه فخورة به. ودع علي أمه بدموع مختلطة بالأمل والوعد بأن يعود لها قريباً.

في المدينة، بذل علي جهده ليحقق النجاح، وكل إنجاز كان يحققه كان يرسله إلى أمه عبر الرسائل أو المكالمات، مذكراً إياها بأنها السبب في كل نجاح يحققه. كان يزور القرية بين الحين والآخر ليعانق أمه ويرى الابتسامة التي تبعث في قلبه السكينة.

ومع مرور السنين، تمكن علي من بناء حياة أفضل لعائلته، وأصبح قادراً على تحقيق أحلامه وأحلام أمه. وفي أحد الأيام، عاد علي إلى القرية محملاً بالهدايا لأمه، ولكنه عاد أيضًا ليخبرها بأجمل خبر؛ فقد قرر أن يستقر في القرية إلى جانبها، ليعتني بها كما اعتنت به في طفولته.

حين سمعت أمينة الخبر، امتلأت عيناها بالدموع، لكنها هذه المرة كانت دموع فرح وفخر. احتضنت ابنها وكأنها تسترجع سنوات الحب والتضحية. كانت تلك اللحظة حلمًا تحقق، ففي نهاية المطاف، كان علي ثمار تعبها وسنوات عطائها، وكان قربه هو الجائزة الكبرى التي لطالما تمنتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى