مملكة أورشليم اللاتينية .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنكم ملاقوه ولن تعجزوه، فمن الأرض خلقكم وفيها يعيدكم ومنها يخرجكم تارة أخرى، فقال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ” وقال تعالى ” يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ” وقال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما” 

ثم أما بعد لقد كانت حضارة جديدة عجيبة قد نشأت في سوريا وفلسطين، وذلك أن الأوربيين الذين استوطنوا هذين البلدين منذ عام ألف ونسعة وتسعون قد تزيوا شيئا فشيئا بالزي الشرقي فلبسوا العمامة والقفطان اللذين يوائمان مناخ تلك البلاد ذات الشمس والرمال، وزاد إتصالهم بمن يعيشون في تلك المملكة من المسلمين فقل بذلك ما بين الجنسين من تنافر وعداء فأخذ التجار المسلمون يدخلون بكامل حريتهم البلدان المسيحية ويبيعون أهلها بضاعتهم وكان المرضى من المسيحيين يفضلون الأطباء المسلمين واليهود على الأطباء المسيحيين وأجاز رجال الدين المسيحيون إلى المسلمين أن يؤموا المساجد للعبادة وأخذ المسلمون يعلمون أبناءهم القرآن في المدارس الإسلامية القائمة في إنطاكية وطرابلس المسيحيتين وتعهدت الدول المسيحية والإسلامية بأن تضمن سلامة التجار والمسافرين.

الذين ينتقلون من إحداهما إلى الأخرى، وإذ كان الصليبيون لم يأتوا معهم إلا قليل من زوجاتهم فقد اتخذ كثيرون ممن أقاموا منهم في الدول المسيحية لهم زوجات سوريات وسرعان ما كون أبناء هذا الزواج المختلط عنصرا كبيرا من سكان الدول الجديدة وأصبحت اللغة العربية لغة التخاطب اليومي العامة للسكان وعقد الأمراء المسيحيون أحلافا مع الأمراء المسلمين ضد منافسيهم من المسيحيين كما كان الأمراء المسلمون في بعض الأحيان يستعينون بالمشركين في شئون السياسة والحرب، ونمت صلات المودة الشخصية بين المسيحيين والمسلمين، وقد وصف الرحالة ابن جبير الذي طاف بسوريا المسيحية في عام ألف ومائة وثلاثة وثمانون ميلادي، بنى دينه المسلمين بأنهم ينعمون بالرخاء ويلقون معاملة حسنة على يد الفرنجة، وكان مما ساءه أن يرى عكا غاصة بالخنازير والصلبان تفوح منها رائحة الأوربيين الكريهة.

ولكنه يأمل أن يتحضر المسيحيون بالحضارة التي وفدوا إليها ولاتي هي أرقى من حضارتهم، وظلت مملكة أورشليم اللاتينية في سني السلم الأربعين التي أعقبت الحملة الصليبية الثانية تمزقها المنازعات الداخلية على حين أن أعداءها المسلمين كانوا يسيرون بخطى حثيثة نحو الوحدة، فقد مد نور الدين سلطانه من حلب إلى دمشق ألف ومائة وخمس وسبعون ميلادي، ولما مات أخضع صلاح الدين لسلطانه مصر وسوريا الإسلامية ونشر تجار جنوى والبندقية وبيزا الإضطراب في الثغور الشرقية بمنافساتهم القاتلة، وفي أورشليم أخذ الفرسان يتنازعون للإستيلاء على العرش ولما استطاع جاي ده لوزينان أن يشق إليه طريقه بالختل عام ألف ومائة وستة وثمانون ميلادي، إستاءت لذلك طبقة الأشراف حتى قال أخوه جوفري ” إن يكن جاي هذا ملكا فأنا خليق بأن أكون إلها “

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى