الدكـــروري يكتب: هلك المتنطعون

 

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأرسل إلينا خير الأنام، وأنزل عليه خير الكلام، هدى للناس ونورا مبينا يهدي به الله من إتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين وصحابته الأكرمين، أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد إن من الناس من يفسر السعادة باللذة والمنفعة، حيث يظنها تنعما بأنواع المآكل والمشارب والملابس والمناكح.

أو لذة الجاه والمال، والتفنن بأنواع الشهوات فمتى حصل الإنسان لذته وأشبع غريزته وشهوته، فهو السعيد الذي ابتسمت له الحياة، ورقصت له الأيام طربا وفرحا، ومن حرم هذه اللذات العابرة، ولم يستطع تحصيل المنافع العاجلة، فهو الشقي الذي عبست في وجهه الحياة، وتعس بها وتعست به، ولا ريب أن هذه لذة مشتركة بين البهائم، بل قد يكون حظ كثير من البهائم منها أكثر من حظ الإنسان، فمن لم تكن عنده لذة إلا اللذة التي تشاركه فيها السباع والدواب والأنعام، فهو مثلها أو أضل منها، فقال تعالى كما جاء في سورة الأعراف “ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون” 

ومنهم من يحسبها تميزا في جسمه وبدنه، كصحته وإعتدال مزاجه وحسن تركيبه وصفاء لونه، وقوة أعضائه وجمال خلقته، فإذا أنعم الله على عبده ببعض هذه النعم ظن بأنه قد ملك مفاتيح السعادة، وإرتقى سؤدد المجد، ونسي هذا الغافل بأن الإنسان إنسان بروحه وقلبه، لا بجسمه وبدنه، كما قيل يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته فأنت بالروح لا بالجسم إنسان، ومنهم من يزعم بأن السعادة جري وراء الحرية المطلقة، بأن يعيش الفرد متحررا من جميع القيود والأغلال والإلتزامات، لا يراعي حرمة أحد، ولا يحترم حق أحد، يفعل ما بدا له دون وازع ولا رقيب، ونسي بأن حرية الإنسان تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين، وأن الله عز وجل تعبد خلقه بشرائع. 

وحد لهم حدودا، لا ينبغي أن يتعدوا معالمها، وقال تعالى في سورة الطلاق” ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه” ومنهم من يظن السعادة تعذيب الجسد، وحرمانه من حقوقه وضرورياته، تهذيبا للروح وسموا بها زعما منهم، كما هو شأن الرهبانية عند النصارى ” ورهبانية ابتدعوها، ما كتبناها عليهم” وقال صلى الله عليه وسلم “هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون” وقال النووي المتنطعون هم المتعمقون المشددون في غير موضع التشديد، اللهم احفظ مصرنا الحبيبة من شر الأشرار، وكيد الفجار، اللهم من أرادها وبلاد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده تدميرا له، اللهم رد كيده في نحره، واجعله عبرة لمن يعتبر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى