بلا بداية بلا نهاية .. قصة قصيرة للكاتبة: عبير مدين

هنا في العالم الأزرق تحدث معجزات ما كانت لتحدث إلا بخاتم سليمان أو مصباح علاء الدين أو بالبساط السحري تسافر عبر العوامل المختلفة لتجد نفسك تعيش قصة ما كنت تحلم بأن تعيشها!
ياسر شاب على أبواب الستين لا تتعجب فالشباب شباب الروح لديه الكثير ليفعله كاتب وناقد لا يشق له غبار ولأننا في زمن الورق والقلم لا يفتح بيتا ولا ينفق على أسرة فهو يشغل وظيفة مرموقة في مكان ما لا يهم عنده المسمى مصلحة حكومية، شركة أو مؤسسة تعليمية لا يعلم كيف دفع به الحظ ليشغل مكانا لم يفكر به يوما متخطيا عشرات يحاربون من أجل الفوز به لكنه القدر!
عاش حياة يحلم بها الكثير المال والشهرة وعائلة جميلة في لحظات صدق مع نفسه كان لا يدري كيف حصل على كل هذا!
وظيفه تقدم لها مجبرا ليكون له مصدر دخل، رئيسه في العمل يعجب به فيطلب منه أن يتزوج ابنته من باب أخطب لبنتك ولا تخطب لإبنك!، يرزقه الله بولد وبنت منها غاية في الحسن والجمال كأمهما!، يمارس هوايته الأدبية ويكتب نقدا لرواية أحد كبار الأدباء ويتقدم بها في مسابقة ليفوز وطير الموضوع لصاحب الرواية فيقربه منه ويضعه على أبواب الشهرة ليفتح له باب تلو الآخر برامجه الأدبية تذاع عبر الفضائيات واسمه يلمع كالذهب في الوسط!
سنوات يحياها في نعمة يحسده عليها غيره وإن كان هو لا يشعر بها دائما كان يشعر أن هناك شيء ناقص! لا يستطيع أن يحدده ليبحث عنه!
حتى استيقظ يوما على صفعة قوية من القدر الذي اعتاد تدليله! إذ سلبه زوجته ووجد نفسه أمام مسؤولية الاعتناء بأولاده! رباه! الاولاد كأني غريب! لا اعلم عنهما اي شيء! كانت أمهما تحمل عني حملا ثقيلا لم أشعر به وانا الهث خلف الكاميرات!
ظل يتلفت يمينا ويسارا كالغريق لا يعرف كيف ينقذ نفسه من الغرق ولا كيف ينتشل أولاده من الحزن؟!
هرولت أمه العجوز لتنقذ صغيرها واحفادها بما لديها من بواقي صحة وعمر شارف على النفاذ تتعثر في الوعكات الصحية وهي تتكئ على عكازها تمسك بيد ابنها ليتجاوز أزمته وهي في أمس الحاجة أن تجد من يمسك بيدها وتتكئ عليه لكن عليها أن تقوم بواجبها الذي تفرضه عليها عاطفة الأمومة ثلاث سنوات اعتصرت فيهم كل ما أوتيت من قوة لآخر قطرة عبرت بأحفادها لبر الأمان تخرج حفيدها وأصبح مهندسا وتزوجت حفيدتها وهي في السنة الأخيرة من دراستها الجامعية تنفست الصعداء وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة وتغمض عينها تاركة خلفها ياسر مذهولا غير مصدق كل ما حدث له!
الآن هو في مواجهة الوحدة عليه أن ينتصر عليها؛ عليه أن يغرق نفسه في العمل والقراءة والكتابة عليه أن يهرب بهما من الواقع.
استرخى في سريره بكسل والنوم يغازل عيونه يقترب منها تارة ويهرب تارة أخرى! تبا لهذا الأرق!
تثاءب بكسل وهو يقتل الوقت ويتصفح العالم الأزرق تلقى دعوة من صديق للإنضمام إلى مجموعة؛ هذه المجموعات لا تستهويه كما لا يستهويه العالم الأزرق كثيرا لا يدخله إلا على فترات للحظات يخطأ إصبعه وهو يضغط رفض ليجد نفسه داخل مجموعة وتقع عينه على منشور اضحكه وتقع عينه على صورة صاحبة المنشور فيطير النوم من عينه!
ليست جميلة لكنها تمتلك جاذبية بنات حواء جميعا! وجد نفسه مسلوب الإرادة يسير خلفها! يتجول في صفحتها خفيفة الدم مرحة استطاع أن يجمع بعض المعلومات عنها فكر أن يرسل لها طلب صداقه لكن وجده تصرف صبياني منه قال في نفسه صحيح احب المرح لكن تصرف كهذا صبياني هي تستحق المتابعة لكن من بعيد… من بعيد يا ياسر.
مر شهر ادمن خلاله صفحتها أصبحت هي أول شيء يفتح عينيه عليه، وباتت آخر ما تقع عينه عليه! حتى أنه كاد ألا يغادر العالم الأزرق إكراما لعيونها التي سحرته! بمرور الوقت وجد نفسه يتفاعل معها، يدق قلبه كلما نشرت منشورا ويغار عليها من عيون الناس!
نصح نفسه بالتروي كثيرا قبل أن يراسلها فهو لن يتحمل أن تحظره لكن لا حل آخر لن يظل يراقبها في صمت للأبد وتعجب من نفسه وهو يقول لنفسه ما العيب أو الخطأ أنا أريدها على سنة الله ورسوله!
انتفض وهو يواجه نفسه؛ ما هذا العبث ماذا تركت للمراهقين يا ياسر؟! قال كنت دائما أسأل نفسي ما الذي ينقصني؟! طوال الوقت أشعر أن هناك شيء ناقص الآن عرفته! هذه المشاعر التي لم أشعر بها يوما، هذه الدقات التي تصدر عن قلبي كلما وقعت عيني عليها أو حتى ذكرت إسمها في نفسي هو الحب الذي قرأت عنه كثيرا وكتبت كيف كتبت عنه وأنا لم اجربه؟! ربما كتبت ما تمنيت ان أعيشه ولم أجده الآن اجد ندى تحمله لي بعد كل هذا العمر!
إنها الفرصة الأخيرة والرهان الأكبر في حياتي فإما وإما…. غص حلقه ولم ينطق!
ظل التردد يمنعه خوفا من أن ترفضه ولأنه لا يفهم معنى علاقة معقدة التي تتصدر المعلومات عنها ثم اصابه الرعب من أن تكون متزوجة هو لم يضع هذا الاحتمال في تفكيره يوما بل إنه كلما طرق رأسه طرده بعيدا ثم….
وجد نفسه في النهاية يكتب لها رسالة طويلة وضع نفسه كتابا مفتوحا أمامها تجرد من كل أسراره واجلسها على منصة الحكم فإما أن تحكم عليه بالاعدام أو تهبه حياة جديدة.
مرت ايام وكأنها ارسلت الرد مع الحمام الزاجل!
لماذا التجاهل يامن اضعك على عرش نساء العالمين؟! ووجد نفسه حائرا في صراع بين كرامته وقلبه المتعلق بها اي سحر هذا الذي رمته به فلم يخطئ؟! واي مرارة سقاها له الانتظار؟! لم يعد أمامه إلا أن يسافر قاصدا مدينتها يهيم في شوارعها بحثا عنها سائرا على درب مجنون ليلى ينظم أبياتا في عشقها وينشرها لعل عينها تقع عليها وترق لحاله هو الذي لم يعرف دروب الشعر ولم ينظم قافية يوما ندى روته أملا فنبت فيه شاعر! صدق من قال الحب يصنع المعجزات وفي عشقاها احتاج آلاف الأبيات.
يا ندى العمر يهربو ينزلق من بين أصابعي انزلاق الندى على أوراق الشجر قالها لها وهو يمر بأصابعه على صورتها ويتخيل صوتها وهي تجيبه أنها أتته على عجل لكنها احلام اليقظة وأماني يحاوطها حتى لا تتبدد.
كادت أن تطير من الفرحة وهي تقرأ رسالته لكم تمنت أن تصلها رسالة منه بعد أن فضح اهتمامه بمنشوراتها وتعليقاته حقيقة مشاعره كانت تود أن تقول له انها وقعت أسيرة شعره الابيض منذ وقعت عينها على صورته اول مره لمست فيه علم وثقافة وخفة ظل بل لمست فيه كل ما كانت تبحث عنه حتى الخمسة عشر عاما التي تفصل بينها كانت بالنسبة لها غاية المنى لكنها فضلت التمهل قرار الارتباط قرار مصيري وليس من السهل الوثوق فيما يحمله هذا العالم الأزرق.