لماذا يكـذب قادة العالم بقلم : لواء / حسام سمير
يقال أن السياسى لايكذب ولكنه يقتصد فى قول الحقيقة ..ولأن السياسة هى فن الممكن فإنها أكثر عرضة للكذب كسلوك إنسانى باعتباره الأكثر تميزا فى الممارسات السياسية
فى حين أن الكذب يصبح جزءا من أدوات الفعل السياسى على المستوى الداخلى
وفى سياق الأحداث الجارية يتم تسجيل نقاط على الكاذبين باعتبارهم قد جاءوا بأفعال منافية للقيم العامة والأخلاق ومبادىء الفضيلة وربما القانون
والدول تمارس الكذب على بعضها البعض لاعتقادها أن الكذب يحقق مصالحها مما دعا إلى أن يطلق أحد رجال الدبلوماسية البريطانية مقولته الشهيرة (السفير هو رجل أمين أرسل للخارج ليكذب من أجل مصلحة دولته)
ويمكن تصنيف كذب الساسة وتقسيمه إلى نوعين ..الأول يسمى الكذب الدولى ..وهو ماتمارسه الدول على بعضها البعض فى المحيط الدولى ..والثانى هو الكذب الداخلى وهو ما تمارسه الدول مع شعوبها
وفى الأخير قد يكون للكذب أسبابه ومبرراته مثل التغطية الاستراتيجية لأمر هام يتعلق بالأمن القومى للدولة ..كأن مثلا أن يدعى القادة وعلى غير الحقيقة القدرة العالية للدولة بغرض اخافة ومواجهة تحدى خارجى يمثل خطرا قريبا وتهديدا حقيقيا وإرهاب العدو المتربص ..أو لإثارة الذعر الداخلى بغرض إيقاظ الحس الوطنى وإثارة الهمم وشحذها والتفاف الشعب حول القائد
هذا النوع من الكذب أسماه أفلاطون (الأكاذيب النبيلة)
ومن وقائع الأحداث التى دونها التاريخ فى صفحاته ..ماأدعاه الرئيس الأمريكى الأسبق روزفلت عام 1941بأن هناك هجوما ألمانيا وشيكا على إحدى السفن الأمريكية وكان ذلك من أجل تهيئة الرأى العام الأمريكى لدخول أمريكا الحرب العالمية الثانية ووضع الأمريكيين أمام مايسمى (حالة حرب)
وقد يصاحب الكذب التلفيق والادعاء الباطل الذى تتوافر له إمكانات تصديقه عندما استطاع جورج بوش الابن ومن ورائه الإدارة الأمريكية بزرع الاعتقاد داخل الرأى العام الدولى والشعب الأمريكى بأن صدام حسين الرئيس العراقى الأسبق يملك أسلحة الدمار الشامل وأنه المتورط الأول فى تفجيرات نيويورك عام2001 ..وقد لعبت الاستفزازات الدولية دورا هاما فى المساهمة فى ذلك الكذب عندما استطاعت أن تستثير فى داخله العنجهية وتقمصه دور بطل العرب وحامى الديار ..وقد تم توجيه الميديا وتسليط الضوء على قيامه باستخدام الأسلحة البيولوجية فى بعض مناطق العراق للقضاء على معارضيه ..مما عزز الادعاء وصدق الكذبة
ولأن أمريكا دولة بالغة القوة ..منغمسة بثقلها فى ربوع العالم مشرقه ومغربه ..وحاضرة بقوة ومتصدرة المشهد فى كل أزمة وكل حدث ..وقد تكون هى وقوده الأول ومبعثه فقد ملكت دون غيرها سجل حافل من أكاذيب قادتها سواء كانت دولية أو داخلية ..
غير أن غيرها من الدول والحاضرة بقوة فى المحافل الدولية وشريكتها فى الصراعات حول العالم لها ضلوعا فى سوابق استخدام استراتيجيات التهديد ..فازاء اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 ..بدأ الزحف الشرقى من دول حلف وارسو المعسكر الأوروبى الشرقى بقيادة المانيا النازية نحو دول حلف الناتو فى دول غرب أوروبا ..مماحدا بهذه الدول أن تعلن تهديدا بأنها ستستخدم السلاح النووى إذا ما حدث ذلك
أما روسيا فقد انتهجت نفس الاسلوب خلال الخمسة عشر سنة الأخيرة من الحرب الباردة وقبل سقوط الاتحاد السوفيتى وتفككه فقد نقضت معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية والسامة
وقد فضح أمرهم تسرب الغاز السام من إحدى منشآتها البيولوجية مما أدى إلى مقتل مائة شخص فى إحدى المقاطعات التابعة لها ..وقد اضطرت إلى الكذب والادعاء بأن موتهم كان ناتجا عن تناولهم لحما مسموما
معظم الدول تمارس الكذب من أجل مصالحها القومية للتغطية الاستراتيجية أو لصرف النظر عن بعض القضايا المثارة
هكذا هى سياسة القادة ..فالكذب أحد أدواتهم وهو أمر لاغنى عنه تفرضه دواعى الحاجة وطبيعة الأمور فى عالم يعج بالأحداث والأزمات ولايخلو من مناطق التوتر فى النزاعات الحدودية أو صراع المياه أو الطمع فى ثروات الغير
كثيرا ما يبدو فى قليل من الأحيان أن هناك اتفاق ..ولكن ليس هناك اتفاق دائم أو اختلاف مستمر ..ولأن السياسة هى فن الممكن ويمارسها البشر ..فإن أعداء اليوم أصدقاء الغد ..أو أصدقاء اليوم أعداء الغد
الكثير من الشعوب عانت من تلك النزاعات ودفعت ثمنا غاليا والتى ساهمت فى الانشطارات بين أبناء الشعب الواحد ..مثلما حدث فى الكوريتين ..وفى الهند وباكستان ..ومايحدث الأن فى وطننا العربى من تقسيم جديد فى السودان وليبيا والعراق واليمن وسوريا وفلسطين ..أنها سيكس بيكو الجديدة ..أو وعود بلفور تطفو مرة أخرى على السطح ولكن على نطاق كبير وشامل