الدكـــروري يكتب: التعقل في أمور الزواج

الحمد لله، وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن في الدين عصمة أمركم، وحسن عاقبتكم، يقول سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى إذا وافقت السريرة العلانية فذلك العدل وإذا كانت السريرة أفضل من العلانية فذلك الفضل وإذا كانت العلانية أفضل من السريرة فذلك الجور، وقال مكحول رحمه الله تعالى ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه ولسانه، وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى إذا أخلص العبد إنقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء، وقال يوسف بن الحسين رحمه الله تعالى أعز شيء في الدنيا الإخلاص، وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي فكأنه ينبت على لون آخر، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى.
” الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ” هو أخلصه وأصوبه، قالوا يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ فقال إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، الخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة، ثم قرأ قوله تعالى ” فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ” وقال شهر بن حوشب رحمه الله تعالى جاء رجل إلى عبادة بن الصامت، فقال أنبئني عما أسأل عنه، أرأيت رجلا يصلي يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد؟ فقال عبادة رحمه الله تعالى ليس له شيء، إن الله تعالى يقول أنا خير شريك فمن كان له معي شريك فهو له كله لا حاجة لي فيه، وإن من آثار اتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم في الزواج حصول الأنس والمودة، والراحة والطمأنينة بين الزوجين.
وقد صوّر ذلك القرآن الكريم وبيّنه بألطف عبارة، وأدق تصوير فقال تعالي ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لفوم يتفكرون ” وقال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى “ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم مودة وهي المحبة ورحمة وهي الرأفة فإن الرجل يمسك المرأة إما محبة لها، أو لرحمته بها، بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجة إليه في الإنفاق، أو للألفة بينهما، وغير ذلك، فالزواج سبب لتحصيل الذرية، وتكثير النسل، وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ذلك فقال “تزوّجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة” رواه أحمد وغيره، ثم إن الوالدين ينالهم بسبب الأولاد الذين يأتون بالزواج خير عظيم، وفضل عميم، فإضافة إلى أنهم زينة الحياة الدنيا.
فإنه ليس أحب إلى الإنسان من ولد صالح يسعى في برّه بطاعته وخدمته في حياته، وبعد وفاته يدعو له بالمغفرة والرحمة والرضوان، وإن في الزواج فتحا لطريق من طرق تحصيل الأجر والثواب، فإن الرجل قد أوجب عليه الشرع الإنفاق على أهله وأولاده ورعايتهم، وحسن تعليمهم وتأديبهم، وهو بهذه الأعمال ينال الأجر والثواب، ويحتسب ذلك عند الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك” رواه مسلم، وكما قال صلى الله عليه وسلم قال “إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها، كانت له صدقة” وإن الدعوةَ إلى تيسير الزواج لا تعني الرضا بأي خاطب، بحيث تزف العفيفة للفاجر،
وتُزوج ذات الخُلق بسيئ الخلق إنما هي دعوة تتمثل وصيةَ رسول الله صلي الله عليه وسلم “إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” رواه الترمذي.