الدكـــروري يكتب: البقاء لله الواحد القهار

الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم وأمده بالفهم وحباه بالتكريم، سبحانه رفع شأن العلم فأقسم بالقلم، وامتن على الإنسان فعلمه ما لم يكن يعلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، أعز العلم وأهله وذمّ الجهل وحزبه ورفع الدرجات في النعيم المقيم لطلاب العلم والعاملين به، واشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، أعرف الخلق بالله وأخشاهم له، فاللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد أوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله، فهي الزاد في الدنيا والآخرة، وبها النجاة يوم الآزفة ” يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم ” وإنه من الخطير حقا أن نتأفف من ذكر الموت وأسبابه ونراعي في ذلك مشاعرنا.
أن لهثا خلف الفرحة بهذه الدنيا، كيف وقد قال النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم ” أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت ” رواه الترمذي، وما ذاك إلا لأن ذكر الموت يعين بعد الله تعالى على فعل الطاعات والإستزادة من المعروف والخير، ويزهد في الدنيا وزهرتها ويكشف لك غرورها وزوال متعاها، ويهون عليك فوات نعيمها، لتفكر في نعيم الآخرة المقيم، فتجتهد في العبادة وتعمل لتلك السعاة، ألا إن الأعمال محضورة، والأجور مكملة ولكل ساع ما يسعى، وغاية الدنيا وأهلها إلى الموت، ويا من القبر مسكنه، وبين يدي الله موقفه والنار غدا مورده ماذا قدمت لنفسك ؟ وماذا أعددت لمصرعك؟ وماذا أعددت لوقوفك بين يدي ربك ؟
وأجمل ما يكون العبد في حياته متذكرا الموت مستعدا له، غير أنه إذا إقترب منه كان حسن الظن بربه، فإن الله يقول في الحديث القدسي ” أنا عند ظن عبدي بي فليظن ما شاء ” رواه أحمد، وحدث حاتم بن سليمان قال دخلنا على عبد العزيز بن سليمان وهو يجود بنفسه فقلت كيف تجدك ؟ قال أجدني أموت، فقال له بعض إخوانه على أية حال رحمك الله ؟ فبكى ثم قال ما نعول إلا على حسن الظن بالله، قال فما خرجنا من عنده حتى مات، فليذكر بعضنا بعضا بفناء أعمارنا وفناء هذه الدنيا، ولنستعذب الحديث عما أعده الله تعالي لعباده من الجنان والفوز بالرضوان، على قلوبنا أن تلين لباريها، وتخشع لخالقها العزيز الحكيم، وإن الله تعالي خلق الثقلين لحكمة بالغة
خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا، خلقهم ليعبدوه وحده لا شريك له، ليخلصوا له العبادة، وخلق الليل والنهار وجعلهما خزائن للأعمال يحصي على العبد ما له وما عليه ” ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ” و ” وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ” واعلموا أيها الناس أن هذه الدنيا مزرعة للآخرة، يفوز فيها المتقون ويخسر فيها الغافلون ومن حكمته سبحانه أنه لم يجعل هذه الدار للبقاء والاستمرار، وإنما جعلها دار ممر واعتبار، فالرابح من صلح زرعه والخاسر من فسد ثمره، وكل الناس يعلم أنما هذه الحياة الدنيا ليست لحي سكنا، فهي سريعة الزوال، وشيكة الارتحال، ولقد قال الله لنبيه الكريم ” وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإئن مت فهم الخالدون ”
فالبقاء لله الواحد القهار، فقال تعالى ” يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار، اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب “.