المقاومة في فلسطين ولبنان: تاريخ وتطورات وآفاق المستقبل

المقاومة في فلسطين ولبنان: تاريخ وتطورات وآفاق المستقبل

 

بقلم: الكاتبة الصحفية دلال ندا

تعد المقاومة في فلسطين ولبنان من أبرز الظواهر السياسية والعسكرية في العالم العربي، وقد ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالصراعات المستمرة ضد الاحتلالات الأجنبية والأطماع الإقليمية. ورغم التباين في السياقات الجغرافية والسياسية بين البلدين، إلا أن التاريخ المشترك في مقاومة القوى الاستعمارية والإمبريالية يجعل من هذه الحركات جزءاً أساسياً من الذاكرة الجمعية في المنطقة.

المقاومة الفلسطينية: تاريخ طويل من الصمود

بدأت المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني والصهيوني منذ بداية القرن العشرين. كانت المقاومة في البداية شعبية عفوية تتخذ من الانتفاضات والمظاهرات وسيلة للتعبير عن رفض الاحتلال. مع مرور الوقت، شهدت المقاومة الفلسطينية تطوراً نحو تشكيل منظمات مقاتلة مثل “حركة فتح” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” وغيرها من الفصائل التي خاضت معارك مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

في عام 1948، بعد تأسيس دولة إسرائيل، أصبح موضوع المقاومة أكثر تعقيداً، حيث نشأ صراع مستمر على الأراضي الفلسطينية. في السنوات التالية، نشأت العديد من الانتفاضات الفلسطينية، أبرزها انتفاضتا 1987 و2000، اللتان شكلتا لحظات فارقة في تاريخ المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي. كان المطلب الأساسي للمقاومة هو تحرير الأراضي الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.

أما في السنوات الأخيرة، فقد اتخذت المقاومة الفلسطينية شكلاً أكثر تنوعاً من حيث الأساليب والمواقف، حيث انطلقت منظمات مثل “حماس” و”الجهاد الإسلامي” إلى الساحة، محققة إنجازات ومعارك على الأرض. ورغم الحصار والضغوط السياسية والعسكرية، إلا أن الشعب الفلسطيني يواصل المقاومة ويعبر عن تمسكه بحقوقه المشروعة في العودة والتحرير.

المقاومة اللبنانية: من حرب الاستقلال إلى مواجهة الاحتلالات

في لبنان، شهدت المقاومة تجارب متعددة، أهمها مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في عام 1982 بعد الغزو الإسرائيلي للبنان. مثلت “حزب الله” أحد أبرز القوى المقاومة في لبنان، حيث أسس الحزب في بداية الثمانينيات كتشكيل مقاتل ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان. استطاع “حزب الله” تحقيق انتصارات كبيرة ضد الجيش الإسرائيلي، خاصة في عام 2000 عندما أجبرت المقاومة اللبنانية الاحتلال على الانسحاب من لبنان.

لقد كانت المقاومة في لبنان مدفوعة بعدد من العوامل الداخلية والخارجية. في الداخل، كان هناك إجماع على رفض الهيمنة الأجنبية، سواء كانت إسرائيلية أو غربية، بينما كان الحزب يجد دعماً من بعض الدول مثل إيران وسوريا، وهو ما أعطى للمقاومة اللبنانية طابعاً استراتيجياً ضمن الصراع الإقليمي.

إضافة إلى ذلك، لم تقتصر المقاومة في لبنان على الجانب العسكري، بل كانت لها أبعاد اجتماعية وسياسية، حيث قام “حزب الله” ببناء شبكة من الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية التي ساهمت في تعزيز الدعم الشعبي.

التطورات الأخيرة في فلسطين ولبنان

في فلسطين، لا تزال الأوضاع تتسم بالتوتر الشديد والصراع الدائم مع الاحتلال الإسرائيلي. في الآونة الأخيرة، تصاعدت المواجهات العسكرية بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً في قطاع غزة والضفة الغربية. الهجمات المتبادلة والهجمات الصاروخية على المدن الإسرائيلية والمواجهات المسلحة مع القوات الإسرائيلية تظل جزءاً من الصراع المستمر. في الوقت نفسه، تعيش القضية الفلسطينية أزمات داخلية بين الفصائل السياسية، خاصة بين “فتح” و”حماس”، ما يعيق تحقيق الوحدة الوطنية الضرورية لمواجهة الاحتلال بفعالية أكبر.

أما في لبنان، فقد تغيرت المعادلات العسكرية والسياسية بعد الحرب السورية وتداعياتها على المنطقة. “حزب الله” أصبح أحد الفاعلين الرئيسيين في النزاع السوري، ونجح في تعزيز قوته العسكرية على الأرض. في لبنان، ومع تزايد الضغوط الاقتصادية والسياسية على الحكومة، يظل “حزب الله” قوة مؤثرة في الحياة السياسية اللبنانية. مع ذلك، فإن المستقبل يبدو غامضاً بالنسبة للبنان، حيث لا يزال يعاني من تداعيات الأزمات الداخلية، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية والسياسية.

مصير المقاومة في فلسطين ولبنان: آفاق المستقبل

المقاومة في فلسطين ولبنان لا تزال تواجه تحديات كبيرة على الرغم من الإنجازات العسكرية والشعبية التي حققتها. في فلسطين، تظل التحديات السياسية والاقتصادية الداخلية عائقاً أمام تحقيق الوحدة الوطنية الكاملة التي قد تؤدي إلى إنجاز سياسي حقيقي. في الوقت نفسه، يبقى الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي في جوهره، مما يجعل من أي تسوية سلمية أمراً بعيد المنال في المدى القريب.

في لبنان، تحافظ المقاومة على قدرتها العسكرية، ولكنها تواجه تحديات داخلية وخارجية، خاصة في ظل الضغوط السياسية والاقتصادية التي تهدد استقرار البلاد. سيكون على “حزب الله” مواجهة هذه التحديات بطريقة توازن بين الحفاظ على قوته العسكرية وتأمين الاستقرار الداخلي في لبنان.

في النهاية، يبدو أن المقاومة في فلسطين ولبنان ستظل جزءاً أساسياً من الصراع العربي-الإسرائيلي والصراع الإقليمي في الشرق الأوسط. ومع ذلك، يبقى مصير هذه الحركات مرهوناً بعدد من العوامل السياسية والعسكرية، بما في ذلك التغيرات الإقليمية والدولية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى