الدكـــروري يكتب: موقف ترتج له النفوس وتنخلع له القلوب

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد إن من أعظم أبواب السعادة هو دعاء الوالدين فاغتنمه ببرهما ليكون لك دعاؤهما حصنا حصينا من كل مكروه، واقبل الناس على ما هم عليه وسامح ما يبدر منهم واعلم أن هذه هي سنة الله في الناس والحياة، ولا تعش في المثاليات بل عش واقعك، فأنت تريد من الناس ما لا تستطيعه فكن عادلا، وعش حياة البساطة وإياك والرفاهية والإسراف والبذخ فكلما ترفه الجسم تعقدت الروح، وحافظ على أذكار المناسبات فإنها حفظ لك وصيانة وفيها من السداد والإرشاد ما يصلح به يومك، ووزع الأعمال ولا تجمعها في وقت واحد بل اجعلها في فترات.
وبينها أوقات للراحة ليكن عطاؤك جيدا، وانظر إلى من هو دونك في الجسم والصورة والمال والبيت والوظيفة والذرية لتعلم أنك فوق ألوف الناس، وتيقن أن كل من تعاملهم من أخ وابن وزوجة قريب وصديق لا يخلو من عيب، فوطن نفسك على تقبل الجميع، والزم الموهبة التي أعطيتها، والعلم الذي ترتاح له، والرزق الذي فتح لك ، والعمل الذي يناسبك، فكفى بالموت واعظا، ووالله لو كان الأمر سينتهي بالموت لهان الأمر، لكنه مع شدته وهوله، أهون مما يليه من القبر وظلمته، وكل ذلك هين إذا قورن بالوقوف بين يدي الله الكبير المتعال، في موقف ترتج له النفوس ، وتنخلع له القلوب، فالقبر صندوق العمل وكل ما وضعت في الصندوق سيكون معك بعد موتك، فزور قبرك في الأسبوع مره.
أو في الشهر مرة، ثم قل هذا صندوقي، وهذا فراشي، وهذه داري، سأسكنها وحدي، فهل وضعت فيها عملا صالحا، أم أودعتها خيبة وحسرة، فإذا زرت المقبرة قف أمام قبر مفتوح، وتأمل هذا اللحد الضيق، وتخيل أنك بداخله، وقد أغلق عليك الباب، وإنهال عليك التراب، وفارقك الأهل والأولاد، وقد أحاطك القبر بظلمته ووحشته، فلا ترى إلا عملك، فماذا تتمنى يا ترى في هذه اللحظة؟ ألا تتمنى الرجوع إلى الدنيا لتعمل صالحا، لتركع ركعة، أو لتسبّح تسبيحة، لتذكر الله تعالى ولو مرة؟ فها أنت على ظهر الأرض حيّا معافى فإعمل صالحا قبل أن تعضّ على أصابع الندم وتصبح في عداد الموتى، فإذا هممت بمعصية، تذكر أماني الموتى، وتذكر أنهم يتمنون لو عاشوا ليطيعوا الله، فكيف تعصي الله؟
فإذا فترت عن الطاعة، تذكّر أماني الموتى، وإجتهد في الطاعة، وبادر إلى التوبة قبل أن يأتيك الموت بغتة، فتقول يا ليتني قدمت لحياتي، واعلم أن ملايين الموتى يتمنون مثل الدقيقة التي تمر من حياتك ليستثمروها في طاعة الله تعالي، وذكره والتوبة إليه، فلا تضيع دقائق عمرك، لئلا تتحسر في آخرتك، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحسن ختامنا وأن لا يميتنا الا وهو راض عنا وصلوا وسلموا على عبد الله ورسوله محمد فقد أمركم الله بذلك فاللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بفضلك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.