وأهديك إلي ربك فتخشي .. بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــرورى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، فإعلم أخي الكريم أنه إذا اشتد الحبل انقطع وإذا أظلم الليل إنقشع وإذا ضاق الأمر اتسع ولن يغلب عسر يسرين، وتفكر في رحمة الرحمن، فقد غفر لبغي سقت كلبا وعفا عمن قتل مائة نفس، وبسط يده للتائبين ودعا النصارى للتوبة، وبعد الجوع شبع وعقب الظمأ ري، وإثر المرض عافية والفقر يعقبه الغنى، والهم يتلوه السرور، سنة ثابتة، وتدبر سورة “ألم نشرح لك صدرك” وتذكرها عند الشدائد وإعلم أنها من أعظم الأدوية عند الأزمات، فأين أنت من دعاء الكرب.
” لا إله إلا الله العظيم الحليم ،لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم ” ولقد إمتثل أنبياء الله تعالي موسى وهارون عليهم الصلاة والسلام لأامر الله تعالي عندما قال تعالي ” وقولوا للناس حسنا ” فقالا لفرعون ” هل لك إلي أن تزكي ” بأسلوب العرض، وليس بأسلوب الأمر، وإختاروا لفظ التزكية الذي يدل على النماء، والبركة، والزيادة ” وأهديك إلي ربك فتخشي ” فكأنه دليل بين يديه، وذكر الرب لأن الرب هو الخالق الرازق المنعم المتفضل فهو حري بأن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُشكر فلا يُكفر، ولا تصرف العبادة لأحد سواه، وهذا الخليل إبراهيم صلي الله عليه وسلم حينما دعا أباه وكان كافرا معاندا كان يلاطفه، ويخاطبه بألطف عبارة فيقول ” يا أبتي لما تعبد ملا يسمع ولا يبصر “
فقد جاء بأسلوب الإستفهام ” يا أبتي إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك ” فما قال له أنت جاهل ما تفهم، وإختار هذا الاسم الكريم الدال على صفة الرحمة ليكون ذلك أدعى إلى قبوله، وإنقياده، وتسليمه، فمهما أمكن التوصل إلى المطلوب بلطف فإنه لا يحسن سواه، وهكذا في غير الدعوة في الأمور الدنيوية مهما أمكن التوصل إلى المطلوب بلطف فإنه لا يحسن سواه، إذا كنت تتقاضى من إنسان دينا وتستطيع أن تتوصل إليه بألطف عبارة فلا داعي للكلام الجارح، إذا كان هذا في المماكسة في البيع، والشراء فيمكن أن تتوصل إليه من غير أن تخل بالآداب الواجبة، فينبغي أن تفعل ما يليق، وما يجمُل، وهكذا في سائر المطالبات، والمعاملات ينبغي أن يكون ذلك بالقول الجميل العف الحسن، وإذا كان لِين الكلام يطلب مع الجميع.
فإنه يكون من باب أولى مع أصحاب الحقوق، ومن أعظم هؤلاء الوالد، والوالدة، فيقول تعالي “إما يبلغن عندك الكبر” الوالد يجب بره سواء كان شابا، أو كان شيخا هرما، ولكن الله ذكر حالة الكبر لأمور، وحكم، ومن ذلك والله تعالى أعلم أن الكبير بحاجة إلى مزيد من الرعاية لضعفه، وقد يحتاج الولد إلى أن يقوم عليه كما قام أبوه عليه حينما كان صغيرا، كما أن الكبير لربما لفراغه يكثر منه الضجر، ولربما يسوء خلقه في تعامله مع أولاده، ومع الناس، فهم بحاجة إلى مزيد من التلطف معه، ولربما دعاه الفراغ إلى أن يسأل كثيرا عما لا يعنيه، من الذي عند الباب؟ ومن الذي يكلمك؟ ومن الذي إتصل بالهاتف؟ ومن الذي يطرق الباب؟ وما هذا الذي تحمله بيدك؟ ومن الذي كان يركب معك في السيارة؟ ومن أين لك هذا المتاع؟
أسئلة كثيرة جدا لا تعنيه، ولربما يخرج هذا الولد عن شعوره، ويفضي به إلى الضجر، فيزجر أباه، فيقول تعالي ” إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما ” فإن الولد قد يقوم ببر أحد الوالدين برا بالآخر، قد تكون علاقته بأبيه سيئة، وأمه تأمره ببره، أو العكس، فيقوم ببر الطرف الآخر برا بأبيه، أو بأمه لأنه أمره ببر صاحبه، وهذا لا يصح، وليس من البر، بل إن حق البر ثابت لكل واحد منهما على سبيل الإستقلال.