أخر الأخبار

تهاني عدس تروي ذكريات الطفولة وحكاية تسلق النخلة

 

بقلم: تهاني عدس

منذ أن هاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر عام ١٩٩٩م وأنا أسمع جملة يرددها الشعب الأمريكي وهى:

“Never forget where you came from!!”

معناها:

“لا تنسى أصلك!!”

لذلك أحرص دائمًا على أن أذكر بلدي الأم بطريقة إيجابية وأظهرالامتنان لها.

في الحقيقة، الغرب سيحترمك عندما تفتخر بأصلك، حتى لو لم يحبوك، لأنهم يؤمنون بأن من ليس له خيرًا فى أهله وبلده لن يكون فيه الخير لهم أو لبلادهم.

لقد وُلدت وقضيت العشرون عامًا الأولى من حياتي في إحدى قرى محافظة القليوبية وهى تقع فى منطقة الدلتا في شمال جمهورية مصر العربية.

افتخر دائمًا بنشأتي الريفية، والنشأة الريفية عمومًا تضفي على أصحابها بصفتين وهما البساطة والعفوية الشديدة.

أنا مثل بقية جيلي، كنت محظوظة لأنني عشت طفولة هادئة وسعيدة قبل التطور الهائل والمرعب فى عالم التكنولوجيا.

نمط حياتنا كأطفال الريف كان يختلف عن نمط حياة أطفال المدن، فمثلًا لم يتوفر لدينا نواد رياضية أو أماكن مخصصة لألعاب الأطفال مثل أطفال بعض المدن، انما فسحتنا بعد الإنصراف من المدرسة كانت الذهاب إلى الحقول الخضراء.

مازلت أحتفظ بذاكرتي بمنظر الطريق وقت غروب الشمس، والطرق التي كانت تصطف بأشجار الصفصاف والتوت والنخيل فى مشهد جميل يشبه الجنه.

لم نكن مطالبون بالعمل بأمور الفلاحة التى لم تستهويني يومًا، فالعمل بها ليس بالبساطة والمرح كما يظهر في الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية.

إن عمل الفلاح شاق جدًا ويحتاج صبرًا كبيرًا، لذلك عزف الجيل الجديد عن الزراعة وتوجه للتجارة بدلاً منها.

فبالإضافة للمشقة، الزراعة نفسها لم تعد مجدية للفلاح، لأنه لا يجني منها عائدًا ماديًا يمكنه من العيش عيشة كريمة. أضف إلى ذلك إرتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج الزراعي وأجور العمالة الزراعية التي تنهك كاهله.

وليس هذا فحسب، العامل النفسي يلعب دورًا مهمًا في عزوف الفلاحين عن الزراعة ويتمثل في النظرة الدونية من قبل أهل المدن للريفيين بصفة عامة.

كل هذا أدى إلى تخلي الفلاحين عن أراضيهم الزراعية ببيعها أو باستبدالها بالمباني السكنية الحديثة.

من ذكرياتي التى لاتنسى كانت مع ابنة خالتي، فهى تصغرني فى العمر بعامٍ واحد، كانت تحبني كثيرًا وتصطحبني دوماً، كنت بالنسبة لها الأخت الكبرى وتثق فى رأيي ثقة عمياء.

كانت تنصت لكل ما أقول بجدية وشغف شديدين واستعداد تام على التنفيذ.

فَلَو طلبت منها مثلًا أن نتسلق نخلة لفعلت على الفور.

لا عجب، أنا بالفعل اقترحت عليها أن نتسلق نخلة ترتفع بما يقرب من ٥٠ متراً فوق سطح الأرض.

بدأت أنا بالتسلق أولًا، وهي تتبعني. كنت بطيئة فى الصعود واتحسس خطاي واتنقل بحذر شديد. أما ابنة خالتي، فبحكم أنها كانت أخف وزنًا مني، سبقتني إلى أعلى وكادت تصل إلى قمة النخلة، إلا أن رأيتها فجأة تتهاوى من أعلى القمة وكأنها ورقة شجر حتى ارتطمت بالأرض.

فى تلك اللحظة، كانت هناك سيدة مسنة تشاهد من بعيد ما حدث فأخذت تصرخ باللهجة الريفية: “يالهوي! الواد وقع.”

كل هذا كان يحدث على الأرض وأنا مازلت عالقة فى منتصف النخلة.

لم أنشغل بالصراخ أو بإبنة خالتي الملقاة على الأرض و التي بدت بلا تنفس أو حركة.

احتفظت بهدوئي وتراجعت للأسفل خطوة بخطوة حتى لمست قدماي الأرض.

كوني صاحبة الإقتراح بالتسلق جعلنى أشعر بالذنب لما حدث لها. فى هذه اللحظة بالذات شعرت بخوف شديد لما سأناله من عقاب، فأسرعت لمنزلي وأغلقت باب غرفتي علىّ طوال الْيَوْمَ.

فى الْيَوْمَ التالي، وجدت أحدًا يطرق باب غرفتي، كنت خائفة جداً، لكن عندما فتحت الباب، وجدت ابنة خالتي

بالخارج تقول لي:

” إلى أين ستذهبين الْيَوْمَ؟ سآتي معك”

فالحمد لله لم تُصب بأي مكروه من هذا الحادث ولم تخبر أحدًا حتى الآن أنى كنت المسؤولة عنه!

أذكرهذه القصة تحديدًا لأنها علمتنى عدة دروس:

أولًا: أن أفكر جيدًا فى أي قرار قبل تنفيذه حتى لا أظلم اناسًا ليس لهم أي ذنب وخاصة هؤلاء من يحبونني بصدق، فحقًا صدق من قال: “فى التأني السلامة وفي العجلةِ الندامة.”

ثانيًا: ألّا اسمح للفوضى الخارجية المحيطة بى والتخبط الذي قد يصيب البعض أن يربكني أو يشغلني عن هدفي.

ثالثاً: تعلمت كيف أتحكم فى مشاعري وقت الأزمات. في وقت الخطر والمواقف الصعبة، الشعور بالخوف والقلق والغضب لن يفيد. التزام الهدوء يساعد على التفكير بحكمة واتخاذ قرارات صائبة بعيدًا عن التشوش الذي قد تسببه المشاعر السلبية.

نحن محاطون بالأخطار ونتعرض بإستمرار للأزمات. إدارة الأزمات وقت الخطر فن لا تجيده الأصوات الغاضبة. بعيدًا عن الإستفزاز من الأحداث الجارية، دعونا نحافظ على هدوئنا. الغضب والشجب والندب والسب واللعن لن يفيد. التفكير بحكمة واتخاذ خطوات مدروسة سيكون أفضل!!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى