الدكـــروري يكتب: الناس منابت للأخلاق

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم أما بعد، اعلم أخي الكريم بأن لذة الحياة ومتعتها أضعاف أضعاف مصائبها وهمومها، ولكن السر كيف نصل إلى هذه المتعة بذكاء، واعلم أنه لو ملكت المرأة الدنيا وسيقت لها شهادات العالم وحصلت على كل وسام وليس عندها زوج فهي مسكينة، وأن الحياة الكاملة أن تنفق شبابك في الطموح ورجولتك في الكفاح وشيخوختك في التأمل، ودائما لوم نفسك على التقصير ولا تلم أحدا فإن عندك من العيوب ما يملأ الوقت إصلاحه فاترك غيرك، وأنه أجمل من القصور والدور كتاب يجلو الأفهام ويسر القلوب.
ويؤنس الأنفس ويشرح الصدر، وينمي الفكر، واسأل الله العفو والعافية فإذا أعطيتهما فقد حزت كل خير ونجوت ومن كل شر فزت بكل سعادة، وأن رغيف واحد وسبع تمرا ت وكوب ماء وحصير في غرفة مع مصحف وقل على الدنيا السلام، وإن الناس منابت للأخلاق ومن الناس من تجد الأسرة بكاملها وقراباتهم يتميزون بالكلام الذي هو في غاية اللطف ويخجل الكبير حينما يقف مع أصغرهم مما يسمع من لطفه في الكلام ومن الناس من تكون الأسرة فيها جفاء، ويستحي الواحد منهم أن يعبر بالكلمة الطيبة، بل يستحي أن يكني أخاه، يستحي من هذا، ومن الناس من يستحي أن يقبل رأس أبيه، أو أن يقبل رأس أمه لأنه لم يعتد على هذا، وهي أخلاق جافة، فالناس منابت لكن النبي المصطفي صلي الله عليه وسلم يقول.
“إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم” وهذه أشياء لا يخسر الإنسان منها لكنها النفس تحتاج إلى مجاهدة، فما الذي يضر الإنسان إذا أراد أن يتكلم أن يتخير العبارات اللطيفة، ويدرب نفسه عليها، وإذا كان لم يعتد هذا أبدا، ولا تقوى نفسه على فعله فيمكنه إذا جلس بمفرده يجلس يتكلم كأنه يخاطب إنسانا، يتخير عبارات في غاية اللطف، ثم يبدأ يطبق هذا مع الصغير ومع الكبير، ويجلس مع الأطفال ويتلطف معهم، ويسألهم عن حالهم بكلام لطيف رقيق، وما أشبه ذلك، ويتكلم مع الكبار كذلك، كل بما يليق به، ثم بعد هذا يصبح هذا سجية راسخة له، وبهذا تؤسر القلوب، ويتأثر الناس بهذه المعاملة أكثر مما يتأثرون من كلامنا، وهذا شيء مشاهد، والناس من طبيعتهم لا يحبون الغليظ الجافي الذي يجفوهم بالقول وينفرون منه ويتحاشونه ولا يحبون الاحتكاك به أبدا،
وإذا رأوه في طريق سلكوا طريقا آخر، فالإسلام بدعوته إلى المساواة المطلقة والعدل الشامل لم يفرق في المعاملة الرحيمة والعطف الأبوي بين رجل وامرأة وذكر وأنثى، وروى مسلم عن النعمان بن بشير قال إنطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، اشهد أني قد نحلت، أي أعطيت النعمان كذا وكذا من مالي، فقال صلى الله عليه وسلم “أكل بنيك قد نحلت مثل ما نحلت النعمان؟” قال لا، قال صلى الله عليه وسلم “فأشهد على هذا غيري” ثم قال صلى الله عليه وسلم “أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟” قال بلى، قال صلى الله عليه وسلم “فلا إذن ” وفي رواية أخرى لمسلم قال صلى الله عليه وسلم “أفعلت هذا بولدك كلهم، قال لا،
قال صلى الله عليه وسلم “اتقوا الله واعدلوا في أولادكم” ووجه الدلالة في ذلك أن عدم المساواة بين الأولاد حرام، فوق أنه تمييز لبعض الأولاد على بعضهم الآخر، وهو من شأنه توليد العداوة والحقد والبغضاء بينهم ويؤدي إلى قطيعة الرحم.