الزواج رحلة مستمرة من التغير والنمو .. كتبت/ د أماني نور استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري

 

النزاع جزء طبيعي في العلاقات الزوجية، والتعامل معه بشكل بنّاء يعزز العلاقة بدلًا من تهديدها.و تقبل الفروقات بين الزوجين بدلاً من محاولة تغييرها يعزز التفاهم ويسهم في الحفاظ على العلاقة…وتقنية “الوقفة الزمنية” تساعد في تهدئة النفوس ووقف التصعيد، مما يسمح بتفكير هادئ في حل النزاع.

كما أن التعبير عن المشاعر دون اللوم يعزز الفهم المتبادل ويخلق بيئة حوارية مفتوحة تحترم احتياجات الطرفين.

وأن التفاوض والتوصل إلى حلول مرضية للطرفين هو مفتاح بناء علاقة قوية، مع الحفاظ على الاحترام المتبادل.

 تغيير شريك حياتك؛ هل هو حاجة ضرورية أم مجرد وهم نعيش فيه؟

في العلاقات الزوجية، يقف مفهوم تغيير الآخر على أرضية جدلية مثيرة بين القبول الكامل ومحاولات التأثير والتعديل. الزوج حين يسعى إلى تغيير زوجته قد يبدو في البداية وكأنه يحاول فرض رؤيته أو التحكم بها، ولكن خلف هذه المحاولة غالبًا ما يكمن رغبة في تحسين العلاقة أو تحقيق صورة أفضل للشراكة بينهما. فهل يمكن للزوج أن يغير زوجته بالفعل؟ وإن كان ممكنًا، فما الحدود الأخلاقية والنفسية لهذا التغيير؟

القبول هو ركيزة أساسية لأي علاقة صحية. وقبول الزوج لزوجته كما هي يعني احترام تفردها كشخصية مستقلة، ذات قيم وخبرات وأفكار مختلفة. القبول هنا ليس استسلامًا للعيوب أو غض طرف عن الاختلافات، بل هو إدراك واعٍ بأن الزواج ليس اتحادًا بين شخصين متطابقين، بل هو شراكة تحتضن التنوع. ولكن، هل يقف القبول حاجزًا أمام أي محاولة للتغيير؟ في الواقع، لا يتناقض القبول مع رغبة أحد الشريكين في دعم الآخر ليصبح نسخة أفضل من نفسه.

كل إنسان يحمل في داخله قابلية للتغيير، ولكن هذا التغيير يحتاج إلى دافع داخلي. لا يمكن إجبار أحد على التغيير، كما أن الضغط المباشر يولّد مقاومة أشد. التغيير الفعلي يبدأ عندما يرى الشخص بنفسه الفائدة المترتبة عليه. هذا يعني أن الزوج إذا أراد تغيير زوجته، يجب أن يكون الهدف تحسين حالتها وليس مجرد تحقيق راحته أو إشباع رغباته. يجب أن تتسم محاولاته بالحب والصبر، بعيدًا عن التوبيخ أو التقليل من شأنها.

التأثير على الآخر لتغيير سلوكه أو معتقداته يعتمد على فهم عميق لشخصيته وقيمه. القيم الشخصية تمثل محركًا للسلوك، وحين يدرك الزوج القيم التي تحرك زوجته، يمكنه أن يخاطبها من خلالها. على سبيل المثال، إذا كانت الزوجة تولي أهمية كبيرة للعائلة، فإن ربط التغيير بأثره الإيجابي على الأسرة قد يكون طريقة فعّالة لدعم التحول.

وهناك أدوات عملية للتأثير الإيجابي، ويمكن أن تُستخدم بذكاء في العلاقات الزوجية. مثلًا، تقنية “رفع الحواجز بالإطراء” تؤكد أهمية البدء بالاعتراف بالجوانب الإيجابية لدى الشريك قبل الإشارة إلى السلوك الذي يحتاج إلى تغيير. عندما يشعر الشخص بالتقدير، يكون أكثر استعدادًا للإصغاء وتقبل النقد البناء.

لكن التغيير في العلاقات الزوجية لا يعني دائمًا تعديل سلوك الآخر. أحيانًا، يكمن الحل في تغيير نظرتنا نحن كشركاء. عندما نعيد التفكير في توقعاتنا ونضعها في إطار واقعي، نصبح أقل عرضة للشعور بالإحباط، وأكثر تقبلًا لشريكنا كما هو. التغيير هنا يتطلب مرونة من الطرفين، حيث يتحول الزواج إلى مساحة للنمو المشترك بدلًا من ساحة للسيطرة أو فرض الإرادة.

في الواقع، ليس الهدف من التغيير هو تشكيل الآخر ليصبح صورة مثالية تناسب رغباتنا؛ بل خلق مساحة للتطور المشترك حيث يتغير كل طرف ليس لإرضاء الآخر فقط، بل لأنه يرى في ذلك انعكاسًا لتحسين حياته ككل. هذا النوع من التغيير يحدث عندما يُقدَّم بحب واحترام، وليس بانتقاد أو محاولة إخضاع. الحب الحقيقي لا يضغط، لكنه يُضيء الطريق؛ لا يُجبر، بل يُلهم.

وفي لحظات السعي نحو التغيير، يجب أن يتذكر الزوج أن المفتاح ليس في السعي إلى استبدال سمات زوجته أو إلغاء هويتها، بل في تعلم كيفية خلق مساحة تناغم يقبل فيها كل منهما الآخر مع استثمار الاختلافات كفرص للتعلم والنمو. الزواج الناجح ليس محاولات دائمة لتغيير الآخر، بل رحلة متوازنة تُثريها المرونة والتفاهم المتبادل.

وعليكم أن تعلموا أن الرغبة في تغيير الشريك تحمل في طياتها مسؤولية كبيرة. إذا لم تُدار بحكمة، قد تتحول إلى وسيلة لكسر العلاقة بدلًا من إصلاحها. يجب أن يكون الدافع هو الحب والرغبة في تحسين الحياة المشتركة، وليس الرغبة في السيطرة أو تغيير الهوية الأساسية للآخر. في النهاية، التغيير الحقيقي والدائم هو ذلك الذي ينبع من الداخل، بدعم وتفاهم الشريك، وليس بفرض أو إجبار، أو إلحاح مستفز.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى