« مدرعات العصور الوسطى » .. « قوانين بيت المقدس » تكشف خطط الصليبيين لغزو الشرق بالخيول الأوروبية ؟

تعد الحرب الصليبية أهم محور للعلاقات بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وسعيًا من الصليبيين للبقاء في الشرق حرصوا على إتباع وسائل شتى لتثبيت أقدامهم في الأرض التي اغتصبوها في بلاد الشام، ومن تلك الوسائل إصدار التشريعات والقوانين التي هدفت إلى حل المشاكل التي عانى منها هذا الكيان.

ومن أهم هذه التشريعات، قانون التأمين على الخيول المخصصة للأغراض العسكرية، والتي عُفت تاريخيا باسم “قوانين بيت المقدس”، وهي تعد أهم المصادر التاريخية والتشريعية الخاصة بمملكة بيت المقدس خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وقد صيغت هذه القوانين من أجل تسيير عجلة الحكم في جميع شئون المملكة سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية، ولم يقتصر عمل هذه القوانين على مملكة بيت المقدس وحدها، بل طُبقت في مملكة قبرص أيضاً بحكم  أن مملكة قبرص هي إحدى نتائج الحرب الصليبية. 

وفي القرن الثالث عشر الميلادي حدث تداخلٌ كبيرٌ بين المملكتين من حيث الموظفين وحيازة مواطني المملكتين لممتلكات في كلتيهما، بل هاجر سكان الساحل الشامي إلي قبرص بصورة تدريجية منذ نشأتها وحتى رحيل آخر جندي صليبي من الساحل الشامي عام 1291م (690هـ).

وقد صدرت هذه المجموعة القانونية في جزأين يحتوى الجزء الأول منها على قوانين المحكمة العليا La Haute Cour وكتب حنا أبلين Liver dl Jean d’Iblin  وجوفري لي تور  Geaffrey le Tortوجاك أبلين  Jacques d’ Iblinوفليب النوفاري Philippe de Navarre . أما الجزء الثاني فيحوى قوانين المحكمة البرجوازية في مملكة بيت المقدس بجانب الإشارة إلي مملكة قبرص بالإضافة إلي الكثير من الوثائق شديدة الأهمية بالنسبة للبناء السياسي والعسكري وبصفة خاصة الوثائق المتعلقة بالخدمة العسكرية ومن بينها قانون التـأمين على الخيول. 

ومهما يكن من أمر، ففي السابع والعشرين من نوفمبر عام 1095م (488هـ) اختتم البابا أوربان الثاني Urban II  1088-1099(480-492) مجمع كليرمونت، الذي أنهى أعماله بإشعال شرارة الحرب الصليبية، وبالفعل استجابت جموع غفيرة من مختلف طبقات المجتمع الأوربي كل يحمل الصليب، ويدعي الخروج لتحرير القدس ولا يعلم ما يبطنه وما يهدف إليه بالفعل إلا الله.

وقد كان الفرسان هم العمود الفقري لهذه الحرب، بل ربما كانوا هم سبب اندلاعها نتيجة لاتساع الحروب فيما بينهم، القليل منهم يدافعون عما بأيديهم، والكثيرين يريدون انتزاع ما في يد القلة حتى لا يبقوا فرسانا بلا أرض في ظل قانون التوريث الإقطاعي الذي منح الابن الأكبر كل شيء يملكه الأب وترك باقي الإخوة بلا إقطاع، ومن ثم كانت الحرب الصليبية في أهم أهدافها تخليص المجتمع الأوربي من حروب الفرسان، الذين امتدت أيديهم إلى كل شيء حتى إلى أموال وأملاك الكنيسة.

وفي ظل حالة التمزق والتشاحن السياسي اللذين عانى منهما المجتمع الإسلامي في نهاية القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، وصعود قوى صغيرة هددت وجود القوى الإسلامية الكبرى، تمكن الصليبيون من تأسيس أربعة كيانات هي: إمارة الرها عام 1098م (491هـ)، وإمارة أنطاكية في العام نفسه، ومملكة بيت المقدس الصليبية عام 1099م (492هـ)، وأخيراً إمارة طرابلس 1109م (502هـ). 

وما أن استقر الصليبيون في مملكة بيت المقدس الصليبية حتى نجح الحزب العلماني في تأسيس نظام حكم ملكي على الطراز الأوربي الإقطاعي، وبمقتضى هذا النظام قام الملوك الصليبيون بتقسيم المملكة إلي إقطاعيات، ثم قاموا بتوزيع هذه الإقطاعيات بين النبلاء والفرسان الفرنجة، وصار على كل إقطاع تقديم عدد معين من الفرسان تم تفصيلهم في قوانين بيت المقدس، وبلغ عدد هؤلاء الفرسان  التابعين للتاج الملكي 577 فارس ، يجب عليهم أن يلبوا نداء الملك في حالة طلبهم في أي وقت للقيام بالدفاع عن المملكة أو التوسع على حساب الجيران المسلمين. 

وبالطبع كان الفرسان هم القوة الضاربة في جيوش العصور الوسطى في الشرق والغرب على حد سواء، وقد تميز الفارس الصليبي مثل الفارس الأوربي بالتسليح الثقيل، وعلى حد قول يوشع براور:””يمكن مقارنة قوة الفارس في العصور الوسطى بقوة الدبابة في العصر الحديث”.

وقد كان ثقل العتاد العسكري والتسليح الصليبي يفرض على الفرسان الصليبيين استخدام خيول ضخمة قوية، حتى يمكنها حمل الفارس ثقيل التسليح سواء في ميدان المعركة أو في حلبات المبارزة،( ) ومن ثم كانت حركة هذه الخيول ثقيلة بسبب وزنها الفعلي ناهيك عن وزن ما تحمله من معدات بالإضافة إلي الفارس نفسه.  

وكان الفرس الذي يمتطيه الفارس يزود بسرج وركاب ولجام، وكان من المفضل أن يكون هذا الفرس أبيض اللون وذكرا وليس أنثى، ذلك أن استخدام الفارس لأنثى الفرس اعتبر من الأعمال المشينة للفارس، كما احتاج هذا الفرس إلي كثير من المران والتدريب لخوض المعارك، ونظراً لثقل تسليح الفارس كان من المعتاد أن يسقط منه لجام الفرس ومن ثم كان يجب عليه أن يدرب جواده على الحركة وفقاً لنخره بالمهماز، ومن ثم كان طقس الحصول على المهماز من أهم طقوس تدشين الفارس، كما كان يدرب الفرس على الاستجابة لحركة الأقدام وبخاصة عند المناورة والمراوغة.

وبسبب أهمية الفارس ومقدار تأثيره في المعركة كان هدفا دائما للنبالة المسلمين الذين حرصوا على تجريد الفارس الصليبي من ميزته النوعية، وهي الحصان ومن ثم كان الفرس هو أول هدف تصوب نحوه السهام وبمجرد تجريد الفارس من جواده، يفقد الفارس ميزته ويترجل ويصير محدود الحركة وفي الغالب لم يكن بمقدوره الصمود أمام أي مقاتل راكب من جانب المسلمين؛ ذلك أن الفارس ثقيل التسليح والذي ارتدى السترات الحديدية، حين يسقط عن حصانه مستلقيًا على ظهره يصير حاله أشبه بالسلحفاة، ومن ثم يكافح بصعوبة حتى يعدل من وضعه ويستطيع الوقوف ثانيه، وفي ذلك الوقت كان يمكن لأي جندي مشاه أن يهجم على الفارس ويرفع مقدمة خوذته ويطعنه في عينه، وينهى حياته. 

 ومن هنا كان الفرسان المسلمون وخاصة الأتراك أقدر على الحركة من الفرسان الفرنجة، في ظل خفة تسليحهم وسرعة حركتهم وهو ما أعطاهم قدرة أكبر على المناورة، وكذلك بقائهم على بعد مناسب من العدو حتى يجدوا الفرصة مناسبة للالتحام، وفرصة أكبر للانسحاب إذا لزم الأمر، وبالرغم من ذلك لم يمتلك الفرنجة المهارة الحربية التي تمكنهم من تقليد الفرسان الأتراك، وبالتالي بقوا كما هم حتى نهاية التواجد الصليبي في الساحل الشامي.

وحرص الصليبيون طوال فترة تواجدهم في الشام على تأمين احتياجاتهم من الخيول التي تعددت مصادرها سواء من قبرص أو من سورية أو أرمينيا وأوربا، ومن ثم تعددت أنواع الخيول التي استخدمها الصليبيون ومن بينها الجواد العربي، الذي حصلوا عليه من خلال الهدايا أو الشراء أو الغنائم، وكان من يحصل عليه يعتبره مكافأة كبيرة. وحصلوا أيضاً على الخيول الكردية والفارسية والتي اعتبرها مارك بولو Marco Polo (1254-1324م/ـ651-723هـ)من الخيول الجيدة، وبجانب هذه الأنواع الثلاثة استخدموا الخيول التركمانية والأرمينية، أما الخيول الأوربية فقد جاءت إلي الشرق مع الحملات الصليبية المختلفة غير أنها لم تعمر طويلا، ومعظم من جاء منها عن طريق البر لقي حتفه قبل الوصول إلي الأراضي الشامية المحتلة إما بسبب الإجهاد أو المرض أو الجوع أو الإصابة.  

وقد عانى الصليبيون من نقص الخيول طوال فترة تواجدهم في بلاد الشام، وهو أمر يمكن ملاحظته بمطالعة المصادر الصليبية وعلى سبيل المثال في عام 1097م (490هـ) تأخر الزحف على أنطاكية بسبب ندرة الخيل وهو جعلهم يقررون تأجيل الزحف حتى يمنحوا أنفسهم فترة كافية للحصول على مزيد من الخيل وإراحة ما لديهم من الخيل المنهكة، وبالرغم من أعداد الخيول التي جمعوها في طريقهم إلي القدس سواء من النهب أو أسلاب المعارك أو الهدايا التي قدمها حكام المدن الشامية لتجنيب مدنهم ويلات الحصار. 

إلا أن المشكلة ظلت قائمة وهو ما دفع البنادقة عام 1123م (517هـ) للقيام بأول عملية نقل للخيول عبر البحر لتعويض العجز الذي تعاني منه مملكة بيت المقدس في الخيول، وظل هذا العجز يؤرق مضاجع الملوك الصليبين وقادة التنظيمات العسكرية باستمرار وهو ما اضطر مقدم الداوية هيو بايين Hugh of Payns ( )عام 1129م (523هـ) إلي عقد اتفاق مع الجمهوريات البحرية الإيطالية لتيسر عملية نقل الخيول من أوربا إلى الساحل الشامي عبر البحر. 

وفي الحملة الصليبية البيزنطية التي شنت على مصر عام 1169م (565هـ) تم استخدام ستين سفينة لنقل الخيول، وتكرر الأمر مع الحملات الصليبية التالية، ونظراً للنقص الخطير في أعداد الخيل فقد منع القانون المنظم لهيئة الفرسان الداوية الأخوة العائدين إلى أوربا من اصطحاب خيولهم معهم. 

ومن المُسلم به أن الخيول الصليبية قد تعرضت لنقص كإرثي بعد موقعة حطين التي دمر فيها الجيش الصليبي، وفتحت بعدها القدس ومعظم مدن مملكة بيت المقدس، ولو اتخذنا فتح اللاذقية نموذجا للصلح سوف نجد شرطا هاما يتعلق بالخيول، فقد سمح صلاح الدين لأهل المدينة أن يرحلوا عنها بنسائهم وأموالهم خلا الغلال والذخائر وآلات السلاح والدواب،  وبالتالي نعتقد أن كل المدن التي تسلمها صلاح الدين قد خرج منها الصليبيون دون خيول، ومن ثم حين جاءت الحملة الصليبية الثالثة كان يجب على قادة الحملة الثلاث اصطحاب أعداد كبيرة من الخيول الصالحة للقتال حتى يتمكنوا من قتال صلاح الدين،  وهو ما تم بالفعل فقد وصل كل من ريتشارد قلب الأسد Richard I the Lion Heart  (1115-1199/508-595)، وفيليب أغسطس Philip II Augustus  (1156-1223م/ 550-619هـ)،عن طريق البحر وفي صحبة كل منهما أعداد كبيرة من الخيول، التي نقلت على سفن ايطالية وعلى سبيل المثال تعاقد الدوق هيو البرجندي Hugh of Burgundy مع الجنوية عام 1190م (586هـ) على أسطول لنقل ستمائة وخمسين فارساً و ألف وثلاثمائة من مرافقيهم و وألف وثلاثمائة حصان، أي بمعدل مرافقين وفرسين لكل فارس، وكان المعتاد قبل الاشتباك في المعارك أن يسير أمام الفارس أحد تابعيه حاملاً رمحه، أما التابع الثاني فيتكفل بالحصان البديل.

واصطحاب هذا العدد الكبير من الخيول يؤكد إلمام الأوربيين بحجم النقص الخطير الذي عانت منه مملكة بيت المقدس الصليبية في الخيول، أما الملك ريتشارد قلب الأسد فقد استعان في ميناء مرسيليا بأربعة عشر سفينة من نوع الطرائد، كل منها تحمل أربعين حصاناً للحرب وأربعين من المشاة وخمسة عشر من البحارة لتنقل خمسمائة وستين حصاناً، ومن سوء حظهم وقرب شواطئ سورية تمكن البحارة المسلمون من أسر خمسة من هذه الطرائد وعليها أربعين فرساً

وهذه الحادثة توضح حرص المسلمين على تجريد الصليبيين القادمين من الغرب من أهم أدواتهم وهي الخيل وحينها يتحول الفرسان إلى مشاة وهو ما يحقق ميزة نوعية كبيرة للمسلمين الذين لا يعانون من هذا النقص.

أما الامبراطور الألماني فردريك بارباروسا Ferderick I Barbarosa (1123-1190م/ 586هـ) الذي سلك طريق البر فقد عانى من كثيرة موت الخيول ومن ثم وضع بندا في اتفاقه مع السلطان قلج أرسلان الثاني سلطان سلاجقة الروم عام 1190م  (586هـ) ينص على نصب سوق يشترى منه جنوده ما يحتاجون من خيول، أما من جاءوا عن طريق البحر فقد كانت سفن نقل الخيول -التي تعددت أنواعها وسعاتها-  جزءاً أساسياً من أساطيلهم .

واستمرت المعاناة من نقص الخيول ومن ثم حين دعي للحملة الصليبية الرابعة عام 1204م (601هـ) كان أمر الخيول في المقدمة، وهو ما يفسر تعاقده مع البنادقة على نقل أربعة ألآلاف وخمسمائة فرس، وبالطبع لم يصل منها للشرق اللاتيني شيء بسبب انحراف الحملة نحو القسطنطينية. وكذا الحال مع الحملة الصليبية الخامسة 1218م (614هـ) والسابعة  1248م (645هـ)، إذ حرص الصليبيون على اصطحاب خيولهم معهم بسبب إدراكهم لنقص الخيول وارتفاع أسعارها هناك، وهنا حدثنا جوانفيل عن خيوله التي اصطحبها معه من فرنسا إلي مصر، ووصل إلي أيدينا وثيقة عقد بين لويس التاسع وبين الجنوية تنص على تزويد حملة لويس باثني عشر سفينة مزودة بإسطبلات لنقل الخيول.

كما وافقت المحكمة العليا الصليبية في عكا عام 1258م (656هـ) على مرور القوات المملوكية بالأراضي الصليبية مقابل بيع الخيول والدواب التي يغنمها الجيش المملوكي من القوات المغولية، ونظراً لتفشي نقص الخيول في الساحل الشامي فقد وافق  شارل أنجو Charles of Anjiou على السماح للداوية بنقل الخيول والسلاح من أملاك أخيه فيليب أمير أخيا إلي الساحل الشامي لصالح هيئة الفرسان الداوية وذلك من خلال وثيقة صدرت  في 15 إبريل 1276م (675هـ).

أمر أخير نؤكد به على استمرار أزمة الخيول في المستعمرات الصليبية في الساحل الشامي حتى نهاية التواجد الصليبي  ألا وهو رسالة وجهها خان المغول أرغون خان (1284-1291م / 683-1291م) إلي ملك فرنسا يعرض عليه وعلى ملوك أوربا خاصة ملك انجلترا القيام بحملة عسكرية مشتركة على سلطنة المماليك انتقاماً من فتح المنصور قلاوون (1279-1291م / 679-693هـ) لمدينة طرابلس عام 688هـ / 1289م وقدم لهم عرضا مغريا ليشجعهم على المشاركة في الحملة وهذا العرض تمثل في توفير 20000 أو 30000 حصان حسب الحاجة بأسعار مغرية. 
.
ولم تكن رحلة الخيل إلي الساحل الشامي رحلة يسيرة، بل كانت محفوفة بالمخاطر في ظل حالة البحر المتقلبة، وظروف نقل هذه الخيول التي كانت تعاني أشد المعاناة من ضيق المساحة المخصصة لها في السفينة، وسوء التهوية، واستخدام رافعات ترفع الحيوان من أسفل البطن لضمان بقاء الحيوان على قدميه طوال الرحلة طالت أم قصرت، ناهيك عن تقلبات البحر وزمجرته التي أصابت الحيوانات بالرعب، ومن هنا لقي كثير من الخيول المنقولة مصرعها وألقيت في البحر لتكون طعامًا للأسماك بدلًا من أن تصل للشرق لتستخدم في قتال المسلمين، أما ما كان يصل منها إلي الشرق فكان يحتاج إلي فترة غير قصيرة ليستعيد حيويته ويتمكن من حمل الفارس. 

 وحتى لو وصل الحصان الأوروبي إلى الشرق فلم يكن من المنتظر أن يبقي في الخدمة طويلاً، وربما تكون المقارنة بينه وبين الحصان العربي مفيدة في هذا المجال، فقد كان مناخ الشرق غير مناسب لحصان الحرب الإفرنجي، وكان تركيب عظامه أقل كثافة من الحصان الشرقي، لذلك كان أكثر عرضة للضعف والتوقف الحركي، وكان تركيبه الأكبر من عظام أكثر نفاذا للسوائل، ويحمل لحماً ثقيلاً غير مناسب للمناوشة السريعة التي أكثر المسلمون من استخدامها. كما كان الحصان الإفرنجي أكثر عرضة للإصابة بالأمراض في الشرق، وكان يحتاج إلى طعام أكثر من الحصان الشرقي، ليس فقط بسبب اختلاف الحجم، لكن أيضا بسبب اختلاف نسب الأيض الناتجة عن العادة الأوربية لإتخام خيول الحرب. 

أما الحصان العربي فكان جيدًا وفعالًا، وعندما يتدرب بشكل كاف لا يصاب بالسمنة كما هو شائع بين الأنواع الأوربية الثقيلة.  والتفاضل بين مختلف الأنواع بقي موجودا عبر الزمن بالرغم من مرور ستة قرون. ويلاحظ بيرتراند بركييرBertrandon de la Brocquière  – الذي سافر بين الأتراك في بداية القرن الرابع عشر – أن الأتراك يحتفظون بخيولهم عجافاً ولا يمكنونها من السمن. وكما ذكر De la Brocquière قدرة الخيول التركية على العدو السريع لمسافة طويلة، وحقيقة الرئة الواسعة (ميزة الخيول العربية والشرقية الأخرى؟ مما يتيح تحسين كمية الهواء وبالتالي زيادة القدرة على استدامة السرعة). وهناك عامل آخر ثبت حديثًا هو الألياف العضلية. وباختصار فعضلات الحصان الشرقي أكثر طولًا مرتين من نظيره الأوربي، وبالتالي هو أكثر قدرة على الاحتمال. 

نخلص مما سبق إلى أن مملكة بيت المقدس الصليبية عانت طوال فترة وجودها من نقص الخيول التي كان لنقصها دوراً كبيراً في التراجع النوعي للقوات الصليبية أمام القوات الإسلامية طوال تلك المدة، وكان يجب على الملوك والقادة الصليبيين إيجاد حل لهذا التحدي، وبالفعل ومنذ وقت مبكر من التواجد الصليبي في الساحل الشامي اتجه هؤلاء الملوك والأمراء إلى إيجاد حل لهذا التهديد، وثمة محاولة مبكرة لتوفير وتعويض ما يخسره المقاتلون أثناء المعارك قام بها تانكرد Tancred (ت 1112م/ 505هـ)، وذلك في عام 1109 (503هـ) حين هاجم شيزر ووجد صدودا من الفرسان وعدم رغبة منهم في تشديد الهجوم ولم يكن ذلك سوى بسبب خوف الفرسان من فقد خيولهم فما كان منه سوى تقديم تعهد بتعويض من يفقد فرسه فرسا آخر محله. 

وبالرغم من عدم تصريح المصادر بحالات مماثلة في مملكة بيت المقدس إلا أن الأمر كان متفشيا ونقص الخيول عانى منه الجميع ومن هنا وجب على ملوك بيت المقدس إيجاد حل جذري لهذه المشكلة وكان هذا الحل هو التأمين، وعلى الأرجح وفي عهد عموري الأول تم سن قانون للتأمين على الخيول. ويقوى هذا الترجيح القانون المعروف بقانون بلبيس الذي أصدره الملك عموري عام 1168م (564هـ) أثناء حصاره لبلبيس. ومن الواضح ارتباط هذا القانون بأمر الخيل إذ سن الملك قانوناً بمقتضاه لا يحق للسيد إرغام تابعه أثناء حصار مدينة أو قلعة ما لم يكن لديه من الدواب ما يكفي لهذه المهمة، وبجانب ذلك أشار هذا القانون بين مستخدمي الخيل من النبلاء وغير النبلاء، بحيث لا يجوز إرغام النبلاء على الترجل عن الخيل أثناء مهاجمة مدينة أو قلعة، ويبدو أن هذا القانون قد سن بسبب نقص الدواب وبخاصة الخيل وعليه نرجح صدور التأمين على الخيول بعد قانون بلبيس بفترة قصيرة عند عودة حملة عموري عن مصر. 

وقد نشر القانون ضمن الجزء الثاني من هذه قوانين بيت المقدس، وقد شغل القانون أربعة فصول من كتاب الملك المكون من اثنين وخمسين فصلاً، وتمتد مواد القانون من الفصل العاشر إلي الثالث عشر: الفصل العاشر حول ” شروط التأمين “، والفصل الحادي عشر عن ” نفوذ الموظف المختص بفحص الجياد”، والفصل الثاني عشر يحمل عنوان “حقوق الأتباع في الحيوانات التي تموت دون مرض أو حادث، وعلى من ترجع الخسارة، كيف يحق لهم مطالبة المحكمة بتعويض عنها”، والفصل الثالث عشر والأخير حول موانع الحصول على التعويض.

وفيما يتعلق بالفصل الأول من القانون حول شروط التأمين، فقد حدد المشرع مبلغ التأمين علي الجواد وهو 40 بيزنت Besant، كما اتسع القانون ليشمل البغال وحدد مبلغ  30 بيزنت للتأمين عليها، ومن الضروري تقديم الجواد أو البغل إلي الموظف المختص – ولا شك أن هذا الموظف كان ذا معارف بيطرية – للاطمئنان علي صحة الحيوان والتأكد من خلوه من الأمراض التي تمنع التأمين عليه.

وبمجرد تأكد الموظف المختص من سلامة الجواد يأمر كتبة السجلات بتسجيل هذا الحيوان في سجلات الملك بوصفه حيوانًا يتمتع بالتأمين لضمان حصول صاحبه على التعويض بمجرد موت الحيوان أو عجزه عن الخدمة العسكرية.

وهذا الفصل يوضح بدء عملية التأمين التي اقتصرت على الخيل والبغال وهما ضروريان للعمليات العسكرية فالبغل يحمل الأثقال أما الجواد فللقتال، وكان الفارس يحتاج حال خروجه للقتال إلى اصطحاب فرسين أو ثلاثة، حتى إذا ما أصيب الفرس المستخدم يمكن الفارس استبداله بسرعة حتى لا يقع فريسة سهلة للأعداء. وهكذا كان من الممكن أن يؤمن الفارس في الديوان الملكي على أكثر من جواد في نفس الوقت إذا دعت الحاجة إلى ذلك. كما يوضح هذا الفصل النفوذ الكبير للموظف أو البيطري متولي عملية التسجيل والذي يمكنه رفض الحيوان المقدم للتأمين إذا لم يكن لائقاً للخدمة العسكرية، لكن إذا ما قبل فإنه يقدم للفارس صاحب الحيوان وثيقة التأمين لضمان التعويض في حالة العجز أو النفوق. 

أما عن صفات الجواد الصحيح فلم تفصلها بنود القانون وتركتها للموظف المختص، ومن الواضح أنه كان يخضع لسلطة كونستابل المملكة The Constable ومعاونه المارشال The Marshal الذي كان من مهامه الإشراف على الخيول وتوزيع الخيول المستولى عليها خلال حروبهم مع المسلمين وتزويد المقاتلين بخيول بديلة لما فقدوه خلال المعارك أو نفقت بسبب الأمراض. 

ومن الجدير بالذكر أن إشراف المارشال على الخيول أمر تفرد به مارشال مملكة بيت المقدس عن نظرائه في الدول الأوربية مثل الإمبراطورية الرومانية المقدسة وإنجلترا وفرنسا، وهذا الأمر يدل على أن مشكلة نقص الخيل كانت خطيرة إلي حد كبير لدرجة أن يعهد بها إلي مارشال المملكة ذا الرتبة العسكرية العالية. 

ومن البديهي أن يكون هذا الموظف بيطري عالم بصفات الجواد الجيد، ولم يصل إلينا هذه الصفات، ونظراً لطول التجاور بين المسلمين والصليبيين يمكننا أن نستأنس بما ألفه المسلمون من مؤلفات بيطرية شملت صفات الجواد الصحيح، ومنها أن يكون أصيل النسب وفي مقدمة الأنواع الخيل العربية وخاصة الأدهم منها وهو شديد السواد. أن يكون ذا وجه حسن قليل اللحم ،  طويل الشدقين بما يوفر له فرصة أكبر للتنفس وقت الجري ، وأن يكون رقيق الأرنبة في موضع القلادة ، بجانب اتساع منخريه واستواء قصبة أنفه ، وبعد المسافة بين العينين وشدة اتساعهما وسوادهما ، وحدة البصر، وأن يكون الفرس عريض الجبهة، وطول لسان الحصان وكثرة ريقه، ويفضل أن يكون طويل العنق مرتفع الكتفين، عظيم خصلة العضد  لطيف الزور، قصير الأذنين ، غليظ العصب الظاهر على الذراعين فوق الركب وهو دليل على شدة الحصان وقدرته على العدو، بجانب اتساع الحافر وارتفاع إلية الحافر عن الأرض ، وأن يكون ممسوح الركب سالم العيوب في العراقيب،  بجانب كثرة اللحم في الجنبين خلف المرفقين والكتفين وذلك دليل على القوة ، بجانب قصر الظهر وعرض فقاراته وطول أضلاعه وغلظ الذنب وعرض الفخذين الخلفيين وطولهما. 

ويتعلق الفصل الحادي عشر “بنفوذ الموظف المختص بفحص الجياد” ومنها: الفحص الدوري للحيوان المؤمن عليه والتأكد من عناية صاحبه به وتوفير عدة هذا الحيوان القتالية لضمان الاستعانة به في وقت الحاجة، ويحق للموظف المسئول عن صحة الجياد مصادرة عوائد الإقطاع الذي يتمتع به صاحب الجواد لحساب شراء أدوات هذه الجواد، وفي حالة وفاة الجواد المؤمن عليه وحصول صاحبه على حيوان جديد يحتم عليه الإسراع بتجهيزه ليكون مستعداً عند الحاجة إليه. وإذا ما حصل على مقابل نقدي للدابة النافقة يجب الإسراع بشراء دابة جديدة والتوجه بها إلى الموظف لتدوينها في الديوان لضمان الاستعانة بها في وقت الحاجة. ولا يمكن تبديل الدابة المتمتعة بالتأمين دون إذن الموظف المختص، لأنه إذا توفيت الدابة ولم يطلع الموظف على ملابسات نفوقها فلا يحق لصاحبها الحصول على مبلغ التأمين أو الحصول على دابة جديدة. 

هذا الفصل أيضا يرسخ من نفوذ الموظف المسئول عن عملية التأمين والذي يعطيه الحق في زيارة مالك الحيوان في أي وقت للتأكد من سلامته وعدم الإهمال في رعايته، كما تعدى دوره الحيوان إلى تجهيزاته العسكرية حتى يكون صالحاً للمشاركة في القتال وقت الحاجة. والجدير بالذكر أن الحصان كان يحتاج إلي تجهيزات خاصة حتى يكون جاهزاً للقتال، وهذه التجهيزات تنقسم إلي أربعة أقسام وهي: 1- اللجام والمقود وهي تتفاوت في أحجامها وصفاتها باختلاف الحيوان بحيث توفي بالغرض منها دون أذية الحيوان. 2- اللواوين والقلائد وتستخدم اللواوين في تسيير الخيول وقت السير، أما القلائد فهي ما يعمل في رقبة الحصان مثل الخرز أو القرون على سبيل الزينة. 3- السروج والعبي وهي تختلف باختلاف الحصان حسب سنه كما تختلف ألوانها باختلاف لون الفرس فللفرس الأدهم عباءة بيضاء والأشقر له العسلي  4-الكنابيش والبراقع والمدبات، وهي  أغطية للخيول تمنع عن الحيوان الغبار ولدغ الذباب. 

وبنود هذا الفصل تنم عن إهمال بعض الفرسان في رعاية خيولهم أو التقصير في تجهيزات هذه الخيول، أو عدم الإسراع بشراء جواد جديد بدلا من النافق أو العاجز وهو ما يهدد القوة العسكرية للمملكة، كما يوضح لجوء بعض الفرسان إلى تبديل الحيوانات المؤمن عليها دون إذن الموظف المختص. كل هذه التجاوزات ربما شاعت بشكل كبير ومن ثم وجب الحد منها عن طريق هذا الفصل الرادع من قانون الملك.   

أما عن الفصل الثاني عشر فحول “حقوق الأتباع في الحيوانات التي تموت بمرض أو حادث، وعلي من ترجع الخسارة، وكيف يحق لهم مطالبة المحكمة بتعويض عنها”  ومن هذا الفصل يتضح لنا عدد من أسباب عدم صلاحية الحيوان للخدمة لعسكرية بسبب الإصابة إما في العمليات العسكرية أو الخدمة الحكومية أو إصابتها بمرض خارج عن مسئولية الفارس صاحب الدابة، كما يوضح بعض الإصابات الأكثر انتشاراً بين الخيول مثل ألم السيقان أو كسر ضلع الدابة، إذ ينص القانون على أنه من حق صاحب الحيوان المؤمن عليه الحصول علي تعويض عن حيوانه في حالة موته أو عجزه عن العمل، وهذا التعويض إما بالحصول علي مبلغ لشراء حيوان مناظر أو الحصول علي حيوان جديد من جهة التأمين.وإذا ما تعرض الحيوان للكسر في ساقه أو فخذه أثناء المشاركة في عمل حكومي أو العمليات العسكرية،  يحصل صاحبه علي مبلغ التأمين أو حيوان جديد. وإذا أصيبت الدابة المؤمن عليها بأي شيء يمنعها من العمل فمن حق صاحبها الحصول على التعويض مع الاحتفاظ بدابته. وإذا أصيبت الدابة بمرض من حق صاحبها إعادتها إلى المحكمة التي تدفع ثمنها أو تسلمه غيرها. وإذا تعرضت سيقان الدابة للألم من حق صاحب الدابة رفع دعوى أمام القضاء للحصول على التعويض. وأخيراً إذا كسر الضلع العلوي للدابة فمن حق صاحبها رفع دعوى أمام المحكمة للحصول على التعويض.

وختام فصول القانون هو الفصل الثالث عشر حول (موانع الحصول على التعويض) وفي هذا الفصل يعالج القانون الحالات التي تحول دون حصول صاحب الدابة المؤمن عليها على التعويض من المحكمة. ومن بينها إذا قام صاحب الدابة بإعارتها وتعرضت لمرض أدي إلى وفاتها أو أصيبت بالعجز ففي هذه الحالة لا يحق لصاحب الدابة طلب التعويض وإذا رفع الدعوى أمام المحكمة فإنها دعوى مرفوضة، وفي حالة الخروج للتنزه واصطحاب الأسلحة دون إذن القائد وتعرض الدابة للإصابة فليس من حق صاحبها الحصول على التعويض من الملك.

وإذا ما أهمل الرقيب في تعليق شريط السرج وأدي ذلك إلى خنق الدابة وموتها فلا يحق لصاحبها طلب التعويض من الملك أو اللجوء للقضاء. وإذا قام الرقيب بشد شريط القدم حول ساق الجواد بشكل شديد وأدى ذلك لكسر رجل الدابة فالخسائر تقع على صاحبها وليس علي السيد. وإذا ما سقطت الدابة المربوطة في الإسطبل وتبين لصاحبها أنها أصيبت بمرض سقوط الشعر مما أدى إلى عجزها فالخسارة علي صاحب الدابة، ويجب على الموظف المختص بالتأمين على الجياد الكشف عن حالة الحيوان حال موته أو عجزه لتحديد على من تقع المسئولية وبالتالي لا يظلم السيد ولا تابعه صاحب الحيوان العاجز أو النافق. 

ومن هذا الفصل يتضح لنا عدد من أسباب خروج الحيوان من الخدمة العسكرية مثل: الأمراض ومنها مرض سقوط الشعر، الذي يصيب الخيل إذا ما تعرضت للإهمال في الإسطبلات، أو إعارة الدابة المؤمن عليها للغير الذي لا يلتزم برعاية الحيوان مما قد يتسبب في عجزه، كما يؤكد الفصل على ضرورة مراقبة الفارس لرقبائه والمسئولين عن رعاية خيوله، لأن الإهمال يؤدي إلى فقدان صاحب الدابة الحق في التعويض عنها. أيضا يشير الفصل إلى انتشار كسور السيقان والضلوع بشكل واسع بين الحيوانات بسبب شد الرقيب شد شريط القدم حول الساق مما يؤدى إلى كسرها. وقد أكدت كتب البيطرة العربية على خطورة كسور الكتف ذلك أنه لا يرجى شفاؤه وكذلك كسر قصبة الرجل ومن ثم يخرج الحصان من الخدمة العسكرية إلى الأبد، أو يهمل الرقيب شد شريط السرج مما يؤدى إلى خنق الدابة ونفوقها، ومن هنا يلزم القانون تلميحا لا تصريحا بضرورة متابعة الفارس لخيوله المؤمن عليها وطريقة رعاية الرقباء لها والتشديد عليهم في الالتزام بقواعد هذه الرعاية وعقابهم في حالة الإهمال.

ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من قوانين بيت المقدس قد تأثرت ببعض جوانب التشريع والأعراف الإسلامية ونسوق دليلين على ذلك: أولهما القانون البحري الصليبي الذي يتطابق في بعض جوانبه مع القانون البحري الإسلامي،  وأيضاً القانون الطبي الصليبي الذي تأثر إلى حد كبير بكتب الحسبة الإسلامية التي قننت الممارسة الطبية. 

أما بالنسبة لقانون التأمين على الخيول الصليبي فلا نجد مثل ذلك التأثير، ذلك أن التأثير أو التشابه بين بعض القوانين الإسلامية والقوانين الصليبية قد جاء نتيجة تشابه الظروف أو توافر حلول لمشاكل عانى منها الصليبيون ووجدوا لها حلولاً لدى المسلمين بحكم طول التجاور، أما أمر نقص الخيول فلم يعان منهم المسلمون في ظل توافر مصادر الخيول العربية بأنواعها: الحجازية واليمانية والشامية والجزرية والبرقية والمصرية والخفاجية والمغربية. 

ودأب الملوك والسلاطين على استعراض جيوشهم من آن لآخر خاصة قبل لقاء العدو لتفقد الجيش وإتمام ما نقص منه من عدة وعتاد ودواب وفي مقدمتها الخيل، وخير مثال على ذلك استعراض صلاح الدين لجنده بعد تعرضه لهزيمة محدودة من قبل الصليبيين بقيادة الملك بلدوين الرابع 1174-1185م (569-580هـ)( ) في الرملة عام 1177م (573هـ) ، فما أن عاد إلي مصر حتى جمع جنده وتفقد أحوالهم وعوضهم خيلاً بدلا عما فقدوه في المعركة، كما دأب على مراجعة جيشه قبل المعارك الكبرى لنفس الغرض حتى يخوض المعركة وهو كامل العدة وفي مقدمتها الخيل، وهو ما حدث قبل حطين1187م ( 583هـ). 

وقد اهتم حكام المسلمين بالفروسية والخيل منذ فجر الإسلام ومن ثم كثر في العواصم الإسلامية الكبرى منشآت فروسية من ميادين وإسطبلات، بجانب الأسواق المرتبطة بأدوات الخيل مثل أسواق السروج واللجم والمهاميز، وقد تفاخر الظاهر بيبرس بتوافر الخيل لدى المسلمين ودورها في الانتصارات على الصليبيين حين ذكر في رسالة إلي ملك قبرص يقول له فيها:” أنتم خيولكم المراكب ونحن مراكبنا الخيول”. 

وبلغ الاهتمام بالخيل ذروته في عصر الناصر محمد بن قلاوون (ت 1340م /741هـ) ذروته الذي كان عالما بالخيل وأنسابها وترك حين توفي في إسطبلاته عدداً كبيراً من الخيل التي تكاثرت، وكان يهدى منها لأمرائه في مختلف المناسبات على سبيل الجوائز،  وهكذا تجاوز الاهتمام بالخيل لدى المسلمين المدى ومن ثم لم يعان المسلمون ما عاناه الصليبيون من نقص الخيل بصفة عامة وخيل الحرب بصفة خاصة.

وقد أسهم فقهاء المسلمين في دعم توافر الخيل من خلال تقنينهم لحقوق الفرسان في الحروب، حين أقروا للفرس نصيبٍ مساوٍ لنصيب الفارس في غنائم الحروب، أي أن الفارس كان يحصل على سهمين واحد له وواحد لفرسه، مع جواز تعدد الأسهم للفارس الواحد إذا كان معه أكثر من فرس، والمقصد من ذلك واضح فالراجل يتكلف مؤنه نفسه وسلاحه أما الفارس فالإضافة إلى نفقته تضاف نفقات الفرس وتجهيزيه.

وفي النهاية يمكن القول إن قانون التأمين على الخيول عند الصليبيين كان قانونا فريداً في عصره غير مسبوق في الغرب المسيحي أو الشرق الإسلامي، جاء استجابة لتحدى نقص الخيول المخصصة للأغراض العسكرية لدى الصليبيين لضمان توفيرها وقت الحاجة، غير أن الواضح أن التحدي كان أكبر من أن يعالجه سن قانون ومن ثم استمر الصليبيون يعانون من نقص الخيول حتى نهاية تواجدهم في الساحل الشامي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى