ما تحديات ومعوقات تنفيذ قرار “المحكمة الجنائية الدولية” لاعتقال نتنياهو وجالانت؟

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية يوم الخميس الماضي، مذكرات اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، وقائد كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، محمد الضيف، بتهم ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. فقد طلب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في مايو 2024 من المحكمة إصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو وجالانت (الذي أقاله رئيس الوزراء الإسرائيلي مطلع نوفمبر 2024) بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يشتبه أنها ارتكبت في غزة. وطلب أيضًا إصدار مذكرات توقيف بحق قادة من حماس، بينهم محمد الضيف، الذي تقول إسرائيل إنه قتل بغارة في 13 يوليو 2024 في جنوب غزة، بينما تنفي حماس الأمر.

وتمثل مذكرتا اعتقال نتنياهو وجالانت، تطورًا قانونيًا لافتًا، فقد جاءت بعد التحقيقات التي أُجريت بشأن الهجمات الإسرائيلية على المدنيين في غزة، حيث أشار مكتب المدعي العام في المحكمة إلى وجود أدلة منطقية تربط نتنياهو وجالانت بتوجيه الهجمات التي أدت إلى قتل مدنيين، ما يُعتبر انتهاكًا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف. وفي ظل ما تردده إسرائيل بشأن تأكيد اغتيالها محمد الضيف، فإن حدود تنفيذ تلك المذكرات تتوقف على اعتقال كل من نتنياهو وجالانت.

وفي هذا السياق، يٌثار تساؤل؛ هو: ما أهم التحديات الدولية والمعوقات الإسرائيلية التي تحول دون تنفيذ قرار المحكمة الجنائية الدولية لاعتقال نتنياهو وجالانت باعتبارهما مجرمي حرب؟

في ضوء ما سبق، يأتي هذا التحليل للإجابة عن التساؤل السابق عبر النقاط الأساسية التالية:

دلالات مهمة
يؤكد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت، أن هذه المحكمة قد تكون لديها أدلة كافية لإدانة نتنياهو وجالانت بارتكاب جرائم حرب. فهذا القرار الصادر ليس مرحلة محاكمة كاملة، بل مجرد أمر قبض جبري ضد الأشخاص الذين يُعتقد أنهم لن يأتوا إلى المحكمة طوعًا. وبالتالي أي طعن قانوني ضد ذلك القرار سيكون في مراحله الأولى، لكن الدلائل التي جمعها مكتب الادعاء العام قد تكون كافية لإثبات التهم ضد المسؤولين الإسرائيليين.

فقد أشار بيان المحكمة الجنائية الدولية، إلى أن قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضروري، بسبب “وجود أسباب منطقية للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب”. وأضافت المحكمة في بيانها، أن ثمة “أسبابًا منطقية” تدعو للاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت أشرفا على هجمات على السكان المدنيين في قطاع غزة. وأوضحت أن جرائم الحرب ضد نتنياهو وجالانت تشمل: استخدام التجويع كسلاح حرب والقتل والاضطهاد و”غيرها من الأفعال غير الإنسانية”.

ردود فعل دولية يغلب عليها التأييد
عقب صدور مذكرة الاعتقال بحق نتنياهو وجالانت، توالت الدول التي أعلنت عزمها تطبيق قرار المحكمة الجنائية الدولية. فقد أبدت العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك هولندا وإيرلندا وبلجيكا وفرنسا، استعدادها لتنفيذ القرار؛ مما قد يشكل تحديًا قانونيًا لإسرائيل. ففي أول رد فعل أوروبي، قال وزير الخارجية الهولندي؛ كاسبار فيلدكامب “إن هولندا مستعدة للتحرك بناءً على أمر الاعتقال الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إذا لزم الأمر”. ومن جانبه، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن “أمر الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت ليس سياسيًا”، داعيًا إلى “احترام قرار المحكمة وتنفيذه”. وقال وزير الدفاع الإيطالي جيدو كروسيتو، إن بلاده ستكون ملزمة باعتقال نتنياهو إذا زار إيطاليا.

وبطبيعة الحال ينضم إلى هذه الدول عدد آخر من الدول التي لعبت دورًا في دفع القضية قدمًا أمام المحكمة الجنائية الدولية، مثل تشيلي والمكسيك وجنوب إفريقيا، فهذه الدول كانت من بين أولى الدول التي طلبت التحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني في غزة.

وقد لاقى هذا القرار ترحيب الدول العربية، وفي مقدمتها مصر والأردن. فقد أكد وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي على ضرورة احترام قرارات المحكمة الجنائية الدولية، وذلك بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ويوآف جالانت. وبطبيعة الحال، رحبت السلطة الفلسطينية بقرار المحكمة الجنائية الدولية، وقالت إنه “يعيد الأمل والثقة في القانون الدولي ومؤسساته، وفي أهمية العدالة والمساءلة وملاحقة مجرمي الحرب”. وطالبت السلطة الفلسطينية جميع الدول الأعضاء في المحكمة وفي الأمم المتحدة، بتنفيذ قرار المحكمة، وتسليم نتنياهو وجالانت إلى القضاء الدولي، وشددت على ضرورة تنفيذ سياسة قطع الاتصال واللقاءات مع المطلوبين الدوليين.

تحديات دولية
مع إصدار مذكرات الاعتقال بحق المتهمين، أصبح على جميع الدول المنضمة لنظام روما الأساسي (نظام المحكمة الجنائية الدولية) الالتزام بتسليم المطلوبين لتنفيذ ما جاء فيها. وتنفيذ مذكرات الاعتقال ضروري؛ لأن من شأنه القبض على من جاء بحقهم أمر الاعتقال، وهو أمر ضروري لضمان حضورهم إلى المحكمة أو لضمان عدم عرقلتهم للتحقيق أو لمنعهم من الاستمرار في ارتكاب الجريمة. وعلى الرغم من ذلك تحول بعد التحديات الدولية دون تحقيق ذلك، والتي يأتي في مقدمتها ما يلي:

(*) عدم وجود جهاز شرطة لدى المحكمة الجنائية الدولية يمكنها من تنفيذ أحكامها وأوامرها:لا يتوفر لدى المحكمة الجنائية الدولية، جهاز شرطة ليقوم بالتنفيذ، إنما تعتمد في ذلك بشكل أساسي على تعاون الدول. وبالتالي حتى يتم تنفيذ قرار المحكمة باعتقال نتنياهو وجالانت، فإن الأمر يتطلب أن يسافر المتهمان إلى دولة من الدول المنضمة للاتفاقية؛ وعليه من المتوقع ألا يقوم أي من المتهمين بالسفر خارج إسرائيل تجنبًا للاعتقال.

(*) اعتراض بعض الدول الكبرى على قرار المحكمة الجنائية الدولية: تعترض قوى دولية مؤثرة على القرار مثل الولايات المتحدة وروسيا. فقد أكد متحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض أن الولايات المتحدة رفضت قرار المحكمة الجنائية الدولية. وأعرب المتحدث عن قلق واشنطن العميق “إزاء اندفاع المدعي العام لطلب مذكرات اعتقال، وأخطاء العملية المزعجة التي أدت إلى هذا القرار”، مضيفًا أن الولايات المتحدة تناقش الخطوات التالية مع شركائها. ومن جانبه قال المرشح لتولي منصب مستشار البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي، مايك والتز، إن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها أي مصداقية، مؤكدًا أن واشنطن دحضت ادعاءاتها بشأن إسرائيل. وكتب والتز على منصة “إكس” أن “إسرائيل دافعت بشكل قانوني عن شعبها وحدودها” ضد من وصفهم “إرهابيي الإبادة الجماعية”. كما أن هناك دولًا أخرى من غير الموقعة على نظام روما الأساسي، قد تحاول استخدام نفوذها لوقف تنفيذ مذكرة الاعتقال بحق نتنياهو وجالانت.

(*) الخبرات السابقة للمحكمة الجنائية الدولية بعدم تنفيذ مذكرات الاعتقال: تشير الخبرات السابقة للمحكمة الجنائية الدولية، بعدم تنفيذ مذكرات الاعتقال التي صدرت بحق متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الدعاوى التي نظرتها أو تنظرها المحكمة. ويأتي في مقدمة هذه المذكرات، مذكرتي الاعتقال بحق كل من عمر حسن البشير الرئيس السوداني الأسبق، وفلاديمير بوتين الرئيس الروسي.

معوقات إسرائيلية
جاء رد فعل الشخصيات الإسرائيلية البارزة غاضبًا من قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن مذكرتي اعتقال نتنياهو وجالانت. إذ وصفه الرئيس إسحاق هرتسوج بأنه “يوم مظلم للعدالة والإنسانية”، قائلًا إن القرار “اختار جانب الإرهاب والشر على الديمقراطية والحرية”. ووصفه مكتب رئيس الوزراء بأنه “قرار معادٍ للسامية”، وقال إن إسرائيل “ترفض تمامًا الاتهامات الكاذبة والعبثية”، ووصف المحكمة الجنائية الدولية بأنها “هيئة سياسية متحيزة وتمييزية”. كذلك انتقدت الحكومة الإسرائيلية هذا القرار، واصفة إياه بالمعادي للسامية، ورفضت التهم الموجهة إلى مسؤوليها، مشيرة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية منحازة. وفي ضوء ذلك تبرز أهمية تحديد بعض المعوقات الإسرائيلية التي تحول دون تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع. وتتمثل هذه المعوقات فيما يلي:

(*) الحصانة السياسية لكل من نتنياهو وجالانت:بما أن بنيامين نتنياهو يشغل منصب رئيس الوزراء، فإنه يتمتع بالحصانة السياسية التي تحميه من الملاحقة القضائية أثناء فترة توليه منصبه. الحصانة هذه غالبًا ما تمتد لفترة معينة بعد مغادرته لمنصبه، مما يصعب تنفيذ مذكرات الاعتقال ضده مباشرة. وكذلك الحال بالنسبة لجالانت، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، فقد يستفيد أيضًا من حصانة دبلوماسية أو سياسية في حالة وجود ملاحقات قانونية دولية ضده، والتي تتطلب التنسيق مع الدولة المعنية.

(*) عدم اعتراف إسرائيل بالسلطة القضائية الدولية: إسرائيل ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية التي تتيح إصدار مذكرات الاعتقال الدولية. وبالتالي، فإن المحكمة الدولية لا تمتلك سلطة مباشرة على المسؤولين الإسرائيليين إلا في حالات معينة، مثل إذا تمت إحالة القضية إلى المحكمة من قبل مجلس الأمن الدولي.

(*) رفض إسرائيل الدائم للمحاكمات الدولية: إسرائيل لا تعترف بسلطة المحكمة الجنائية الدولية في القضايا المتعلقة بمواطنيها، وهو ما قد يعوق تنفيذ أي مذكرة اعتقال دولية ضد مواطنيها. يمكن أن تكون هناك محاولات للضغط على دول أخرى لتنفيذ المذكرة، لكن إسرائيل قد ترفض التعاون.

(*) تشابك المصالح والعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين إسرائيل والعديد من دول العالم: في حال كانت مذكرات الاعتقال تتعلق بقضايا سياسية، مثل الحرب أو الانتهاكات الإنسانية، فإن بعض الدول قد ترفض تنفيذ المذكرات؛ بسبب المصالح الاقتصادية السياسية. هذا يعني أن الدول التي قد تتجنب التدخل لاعتقال نتنياهو لأسباب دبلوماسية ومصالح اقتصادية.

(*) عدم تعاون القضاء الإسرائيلي مع القضاء الدولي: على الرغم من وجود مذكرات اعتقال دولية، من الممكن أن ترفض المحاكم الإسرائيلية التعاون مع المحاكم الدولية، وتعتبر أن القضايا يجب أن تحاكم داخل النظام القضائي الإسرائيلي. قد يكون لهذه الإجراءات المحلية تأثير كبير في عدم تنفيذ المذكرات الدولية.

وفي النهاية،يُمكن القول إن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت، يمثل خطوة مهمة في طريق محاسبة المسؤولين عن الجرائم في قطاع غزة. فمن شأن هذا القرار عدم تمكن القيادة الإسرائيلية من مغادرة إسرائيل، فنتنياهو يستطيع السفر فقط للدول التي تعارض هذا القرار. فمعظم حلفاء إسرائيل يدعمون المحكمة ويقبلون بقرارها، مما سيؤثر على علاقات إسرائيل الدولية. ويمتد أثر هذا القرار ليشمل توقع صدور مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين آخرين وأعضاء في الجيش الإسرائيلي، حيث تخشى إسرائيل من اعتقالهم. ولكن هناك العديد من التحديات الدولية والمعوقات الإسرائيلية التي تحول دون تفعيل هذه الخطوة على أرض الواقع وتحقيق تأثيرها وهدفها الأهم بوقف الحرب على غزة، لذلك يتعين تعظيم الاستفادة من التأييد الدولي لهذا القرار في تحقيق ذلك الهدف.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى