جريمة في المعادي .. قصة قصيرة بقلم/ محمود سعيد برغش

في إحدى أمسيات القاهرة الحارة، كانت شوارع المعادي تُغرق في سكون ليلها الهادئ، حيث كانت المنطقة التي تعود إلى الطبقة الراقية من سكان العاصمة تشهد حركة عادية، باستثناء تلك الفيلا الفاخرة التي تقع على أطراف المنطقة. تلك الفيلا التي كانت تعد ملاذًا للثراء والترف، لكنها أصبحت الآن مسرحًا لجريمة قتل غامضة.
—
الفصل الأول: الاكتشاف
في صباح اليوم التالي، بعد أن تلقت الشرطة بلاغًا بوجود جثة في الفيلا، وصل المحقق سامي فتحي، صاحب الخبرة الطويلة في التعامل مع الجرائم المعقدة، إلى مسرح الجريمة. كان المكان يعبق برائحة غريبة، ليس بسبب الدماء أو الفوضى، بل بسبب الترتيب المنظم الذي كان في الغرفة.
المحقق سامي دخل الغرفة التي كانت مسرحًا للجريمة. أحمد الجندي، رجل الأعمال المعروف، كان جالسًا على كرسي في منتصف الغرفة. كانت يده اليسرى ممدودة للأمام، وحولها كانت مجموعة من الأوراق والملفات المالية التي يبدو أنه كان يعمل عليها في وقت سابق. كانت الساعة التي يرتديها تشير إلى العاشرة مساءً، وهو ما بدا غير منطقي، إذ كيف يمكن أن يتوقف الوقت عند تلك اللحظة بالذات؟
الجريمة كانت غريبة، فلم يكن هناك أي آثار عنف ظاهرة. لم تُكسر النوافذ أو الأبواب، ولم يُسرَق شيء من محتويات الفيلا. كان كل شيء في مكانه، مما جعل المحقق يشعر بوجود شيء أكثر تعقيدًا وراء هذه الجريمة.
—
الفصل الثاني: التحقيقات والشهادات المتناقضة
بدأ سامي في استجواب الشهود. أولاً، قابل هالة، زوجة الضحية، التي كانت قد زارت إحدى صديقاتها في الجيزة مساء تلك الليلة. كانت هالة تبدو غير متأثرة بما حدث، وكانت إجاباتها متقلبة. فقالت في البداية إنها لم تكن على دراية بأي شيء قد يشير إلى تهديد حياة زوجها. ثم قالت إنها كانت تعلم بأن أحمد كان يواجه مشاكل مالية، لكنها لم تكن تعرف تفاصيلها.
وفي الوقت نفسه، بدأ سامي في التحقيق مع خدم الفيلا والموظفين الذين كانوا يعملون في المنزل. كل واحد منهم كان يقدم قصة متناقضة. أحدهم، الذي كان يعمل كحارس أمني في الفيلا، أخبر المحقق أنه سمع صوتًا غريبًا في الطابق العلوي في الساعة التاسعة مساءً، لكنه لم يعتقد أن هناك ما يستدعي القلق. آخر، كان يعمل كطاهٍ في الفيلا، قال إنه رأى أحمد يتحدث مع شخص مجهول عبر الهاتف في آخر ساعة من حياته، وكان يبدو غاضبًا ومتوترًا.
تطورت الشكوك حول شخص آخر كان له علاقة قوية مع أحمد، وهو كريم، صديقه المقرب، الذي كان قد ابتعد عن أجواء العمل مع أحمد في الآونة الأخيرة بسبب مشاجرة مالية.
—
الفصل الثالث: الخيوط المتشابكة
مع مرور الأيام، اكتشف المحقق سامي أن أحمد كان يواجه ضغوطًا مالية شديدة. كانت شركته الخاصة تواجه مشاكل كبيرة في تدبير الأموال، وهو ما جعله يتورط في علاقات مشبوهة مع بعض الأشخاص المجهولين. لكن المفاجأة الكبرى كانت عندما اكتشف سامي من خلال التحقق من حسابات أحمد المالية أن هناك مبلغًا ضخمًا تم تحويله إلى حساب كريم، صديق أحمد المقرب، في نفس اليوم الذي وقع فيه الحادث.
بدأ المحقق سامي في التحقيق مع كريم، الذي بدا عليه الارتباك الشديد. حاول في البداية إنكار أي علاقة له بالجريمة، لكنه سرعان ما تغير موقفه عندما كشف سامي عن الأدلة المالية. اعترف كريم أخيرًا بالتحقيقات وقال: “كنت غاضبًا. كنت أعرف أن أحمد كان يخفي عني أشياء كثيرة. وكان هناك تهديدات مالية قد تضرنا كليًا… حتى أنه كان يخطط للاستغناء عني في المشاريع المشتركة. وفي تلك الليلة، عندما دخلت عليه في الغرفة… شعرت بأنني فقدت السيطرة، وقررت أن أنهي كل شيء.”
—
الفصل الرابع: كشف اللغز
في مواجهة حاسمة، اعترف كريم بأنه هو من قتل أحمد. لكن القصة لم تكن بهذه البساطة. عندما سأل المحقق سامي عن الطريقة التي تم بها تنفيذ الجريمة، قال كريم: “لم أرغب في قتله مباشرة. أردت فقط تهديده ليشعر بالخوف، لكن الأمور خرجت عن السيطرة. استخدمت مسدسًا كان في حوزتي لأهدده، لكن في لحظة من الغضب… ضغطت الزناد.”
ثم كشف كريم عن نقطة مهمة؛ لم تكن الجريمة مجرد رد فعل عاطفي على الخيانة المالية. بل كان هناك تخطيط دقيق خلفها. لقد قام بتدبير الأمر بحيث يبدو كأن الجريمة هي نتيجة لعملية سرقة فاشلة، وحاول إخفاء كل الأدلة التي قد تشير إليه. كما أضاف أنه ترك الساعة على الطاولة وأعاد ضبطها على العاشرة مساءً، لكي تبدو كأنها تشير إلى وقت وقوع الجريمة، وهي اللحظة التي لم يكن فيها أي شخص آخر داخل الفيلا.
—
النهاية
تم القبض على كريم، وتمت محاكمته بتهمة القتل العمد، لكن سامي لم يستطيع نسيان تلك اللحظة التي اعترف فيها كريم. كانت جريمةً عاطفية، لكنها تتضمن تفاصيل مالية معقدة وراءها.
وبينما أغلقت القضية في المعادي، ظل المحقق سامي يتساءل عن سبب التورط العميق في الخيانة، وكيف أن الشخص الأقرب إلى الضحية كان هو نفسه من دبر الجريمة. وكانت المدينة التي بدت هادئة قد شهدت جريمة من أعقد الجرائم التي واجهها سامي في مسيرته.