وجيدة الهانى تكتب: لماذا يحرق المدرسون في تونس؟

 

إنتشر خبر إرتقاء الأستاذ الفاضل أصيل منطقة الشابة بالشمال الشرقي للبلاد التونسية على اثر اضرامه النار في جسده وليصور الأمر وكأنه حادثة إنتحار “عادية ” وبالتحري في الموضوع تنكشف معالم الجريمة وتعرف شخصية القاتل الحقيقي لرجل شهد له القاصي والداني واكثرهم قدماء تلاميذه بطيب الخلق والضمير الحي .

دخل المربي الفاضل -وهذه ليست فقط صفته وإنما هي إسمه أيضا – سكب البنزين على جسمه المنهك وقد انحدرت الدموع مدرارة لتبلله لكنها لم تنجح في إخماد نيران البنزين مضافة إلى نيران حسرته على نفسه بعد أن قوبل بذله

 لنفسه بالإهانة و نكران الجميل والبذاءة وسوء التربية…

 في حادثة هي ليست الأولى من نوعها في تونس ولن تكون الأخيرة يرتقي مدرس تعليم نفذت طاقته ولم تعد له قدرة على تحمل المعاناة اليومية التي نعيشها في مدارسنا المتداعية والآيلة للسقوط التام إن لم يقع التحرك فورا لإنقاذها من هذا الإنحطاط الذي تعيشه …

ما الذي حدث ولماذا يتخذ قرار وضع حد لحياته بهذه الكيفية الصعبة هي المعلومة التي سعيت للبحث عنها …

وكما هي العادة المألوفة دائما فإن الروايات حول نهاية رجل أفنى زهرة شبابه في التدريس تضاربت في بعض التفاصيل غير أن القاسم المشترك بينها أن من يقف وراء قرار إنهاءه لحياته بهذه الكيفية المؤلمة شرذمة من تلاميذه ( وفي رواية أخرى تلاميذه وبعض اقربائهم المنحرفين ) الذين اعتدوا عليه بشتائم بذيئة لم توجه فقط له وإنما أيضا لوالدته المتوفاة مما أثار حفيظته فصوروه وهو في حالة غضب واستفزاز وقاموا بإنتاج فيديوهات له وهو في مواجهتهم وقاموا بنشرها على مواقع التواصل الإجتماعي… 

وبما أن “لوم الضحية ” blaming the victim 

أمر ليس جديدا على مجتمعنا فإنه وعوضا عن طرح سؤال جوهري مهم أين إدارة المعهد الذي يدرس فيه الزميل حتى تصل الأمور إلى هذه الدرجة من الإنفلات …

وحتى يبلغ الأمر حد إنهاء رجل متعلم مشهود له بحسن الخلق لحياته بحرق جسمه بعد أن حرقوا قلبه..

الغريب في الأمر أن والدة»تلميذ « سارعت بتقديم شكوى ضد الأستاذ لمندوبية حماية الطفولة على رأي المثل القائل ضربني وبكى سبقني وشكى !! وقد عومل هناك بطريقة مهينة تفتقر لأبسط قواعد الإحترام وأيضا في مقر عمله حسب ما نقله واحد من معارفه فتحول من مرب للأجيال وناقل للمعرفة إلى متهم حزت طريقة استجوابهم له في نفسه كثيرا .

ولعبثية المشهد الذي يتحول فيه المظلوم إلى ظالم وصاحب الحق إلى مطالب والأستاذ إلى كائن مزدرى ضحية لبلطجة قصر أسلمهم أولياؤهم للشارع وتهاونت مؤسستهم التربوية في تقويم إعوجاج سلوكهم . ولوقوف الجميع ضده ولأن صفعة أيقظته من أن حلمه في تقديم رسالة سامية للمجتمع ترتقي بها العقول مجرد وهم إنهار على يد من لا تستهويه قاعة الدرس ولا يعنيه التحصيل العلمي … إختار زميلنا مصير جدته الفينقية “النار ولا العار” …

إن أكثر ما يعنيني الآن وأنا من أهل البيت أن لا يقع الإلتفاف على هذه الواقعة وأن يقع تحميل مدير المؤسسة التربوية التي ينتسب لها هؤلاء التلاميذ وكل من تسبب في وقوع هذه الجريمة مسؤوليتهم كاملة بحزم. لأن المتمدرس لا يتمرد سوى بتواطئ من الإدارة يضاف إليها إهمال أولياء الأمور لأبنائهم وعدم متابعتهم.

وأكرر ما سبق وقلته لا لوم على الصغار بل على من أهملهم ونحن الذين نعول عليهم للنهوض بهذا الوطن… 

رحم الله زميلنا وغفر له وتقبله برحمته وعفوه وأن ينظر لقلة حيلته وضعف قوته لا لذنوبه …

تنويه : أرجو الإحتفاظ بالفتاوى الدينية وأدعو لزميلي في البلاد والمعاناة بالرحمة والمغفرة وهو بين يد رب غفور كريم.

والله من وراء القصد 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى