الدكـــروري يكتب: أهمية حدث الهجرة المباركة

الحمد لله أنشأ الكون من عدم وعلى العرش استوى، أرسل الرسل وأنزل الكتب تبيانا لطريق النجاة والهدى، أحمده جل شأنه وأشكره على نعم لا حصر لها ولا منتهى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يرتجى، ولا ند له يبتغى، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدا عبد الله ورسوله الحبيب المصطفى والنبي المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج واقتفى، ثم اما بعد، لقد خطط رسول الله صلى الله عليه وسلم لهجرته وعمل بكل الأسباب التي تحقق نجاحه، ومع ذلك فهو يعلم أن الأسباب وحدها لا تنفع ما لم يكن معها التوفيق والسداد من الله مسبب الأسباب لذلك رغم كل هذا التخطيط وهذه الإحتياطات إلا أن الكفار وصلوا بالفعل إلى الغار ولو نظر أحدهم تحت قدميه لرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه.
وهذه رسالة واضحة لكل مؤمن في كل زمان ومكان أن لا تغتر بقوتك وتخطيطك ولا تتوكل على أسبابك ولكن عليك أن تعمل بالأسباب وتتوكل بقلبك على الله تعالي فهو مسبب الأسباب، لذلك عاتب الله المؤمنين يوم أن إغتروا بقوتهم في غزوة حنين، فما أحوجنا إلى التخطيط في كل مجالات حياتنا إقتداء برسولنا المصطفي صلى الله عليه وسلم وليس سرا أن من أهم أسباب ضعف المسلمين اليوم وتأخرهم هو عدم التخطيط في كل شئون حياتهم في الوقت الذي سبقنا فيه أعداؤنا بتخطيطهم المتقن والبارع في كل مجالاتهم، فلنأخذ من سيرة رسولنا وهجرته دروسا وعبرا، فقد قال الله تعالى ” لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ” فإن حدث الهجرة النبوية المباركة غير مسيرة التاريخ، وتجلت فيه قوة العزيمة، وكمال الشجاعة وصدق الإيمان ونهاية التضحية وحب الإيثار.
ولقد كانت الهجرة مؤشرا لإنطلاق الدعوة، التي ظلت حبيسة في أرض حسب أهلها أن إنتهاك الحرمات إقدام، والنيل من المستضعفين جرأة وشجاعة، ولقد كانت الهجرة ميلاد لأمة الإسلام وبعث حضاري جديد للأمة، ولقد كان لأهمية حدث الهجرة المباركة ومكانتها بين الأحداث الإسلامية أرخ المسلمون بالهجرة كمعلم بارز في تاريخ الدعوة ولما للهجرة من آثار على إنتصار الدعوة وظهورها ولأنه بالهجرة ولدت دولة الإسلام، وذكروا في سبب عمل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه التأريخ بالهجرة ” أن أبا موسى كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس، فقال بعضهم أرخ بالمبعث وبعضهم قال أرخ بالهجرة، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه الهجرة.
فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها، وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا، قال بعضهم ابدؤوا برمضان فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم، فإتفقوا عليه ” ومما يروى أيضا أنهم أعرضوا عن التأريخ بمولده ومبعثه ومماته صلى الله عليه وسلم لأن المولد والمبعث لا يخلو واحد منهما من النزاع في تعيين السنة، وأما الوفاة فأعرضوا عنه لما توقع بذكره من الأسف عليه صلى الله عليه وسلم، ولقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن معه يحرصون كل الحرص على ألا تذوب شخصية هذه الأمة في شخصية غيرها من الأمم، إذا لم يرضوا أن يكونوا في تاريخهم تبعا لأمة من الأمم، بل كانوا مبدعين في كل شيء، ليسوا إمعات ولا ببغاوات، يستوردن فكرهم وثقافتهم وتاريخهم من غيرهم.