الدكـــروري يكتب: حياء فاطمة الزهراء رضي الله عنها

الحمد لله الذي بين لنا أفضل المسالك وأحسن الآداب ووفق من شاء من عباده لسلوكها وهو الحكيم الوهاب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وإليه المرجع والمآب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قام بالأخلاق الفاضلة، وأتمها، وحذر أمته من سفاسفها وأرذلها صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين تمسكوا بآدابه، وانتهجوامناهجه، وسلم تسليما أما بعد إن تعجب من حياء المرأة في العهد النبوي الشريف فعجب أمر فاطمة الزهراء رضي الله عنها التي حملها الحياء على أن تقول لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء أنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها، فقالت أسماء يا بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أريكي شيئا رأيته بأرض الحبشة؟
فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة رضي الله عنها ما أحسن هذا وأجمله، يُعرف به الرجل من المرأة، فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي ولا تدخلي علي أحدا، فلما توفيت جاءت عائشة رضي الله عنها تدخل فقالت أسماء لا تدخلي، فشكت لأبي بكر رضي الله عنه فقالت إن هذه الخثعمية تحول بيني وبين ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جعلت لها مثل هودج العروس، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فوقف على الباب وقال يا أسماء ما حملك على أن منعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يدخلن على ابنته، وجعلت لها مثل هودج العروس ؟ فقالت أمرتني أن لا أدخل عليها أحدا وأريتها هذا الذي صنعت وهي حية فأمرتني أن أصنع ذلك لها، فقال أبو بكر رضي الله عنه فاصنعي ما أمرتك، ثم انصرف وغسلها علي وأسماء رضي الله عنهما” رواه البيهقي.
ويقول أبو الحسن الماوردي عن نفسه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ذات ليلة فقلت يا رسول الله أوصني فقال استحي من الله عز وجل حق الحياء، ثم قال تغير الناس، قلت وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال كنت أنظر إلى الصبي فأرى من وجهه البشر والحياء وأنا أنظر إليه اليوم فلا أرى ذلك في وجهه، وأما حياؤه من الناس فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” من تقوى الله اتقاء الناس ” وروى أن حذيفة بن اليمان أتى الجمعة فوجد الناس قد انصرفوا فتنكب الطريق عن الناس وقال لا خير فيمن لا يستحي من الناس” وأما حياؤه من نفسه فيكون بالعفة وصيانة الخلوات، وقال بعض الحكماء ليكن إستحياؤك من نفسك أكثر من إستحيائك من غيرك.
وقال بعض الأدباء من عمل في السر عملا يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر، فإن الغاية من خلق الإنسان وإيجاد البشر هي عبادة الله عز وجل حق العبادة كما جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فقد جعل الإسلام العبادات والأخلاق نسيجا واحدا فللأخلاق صلة وثيقة بعقيدة الأمة ومبادئها، فهي عنوان التمسك بالعقيدة، ودليل الإلتزام بالمبادئ والمثل وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألا أخبركم بأحبكم إلى الله، وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة؟ قالوا بلى، قال أحسنكم خلقا” رواه ابن حبان، فأحسنهم خلقا أقربهم منزلة ومجاورة للحبيب يوم القيامة.