أعظم خصال التقوى ..بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــرورى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإن خير الكلام كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد إن من بركة العلم بالسنة، والبصيرة بسبيل السلف الصالح وسلوكه، أن يرى أثر ذلك وثمرته على صاحبه، فتراه في عبادته ومعاملته، وتشهده في علمه وتعلمه وتعليمه، وتبصره في سمته وهديه، وتلحظه في وقاره وسكينته، وتلمسه في خلقه وأدبه، ويبين لك في مدخله ومخرجة، ووقت حله وترحاله، ومع القريب والبعيد.
والموافق والمخالف، والعدو البغيض، وما أشنع عدم العمل بالعلم، وما أعظم خطره على العالم والمتعلم وأشده، وما أقبح أثره وعاقبته، فقد أنكره الله تعالي على فاعليه أشد الإنكار، وأبان أنه يسبب مقته الشديد، فينبغي للعالم والمتعلم، ينبغي للآمر بالخير أن يكون أول الناس مبادرة إليه، وللناهي عن الشر أن يكون أبعد الناس عنه، فقد قال الله تعالى في أوائل سورة البقرة منكرا على حملة العلم والشريعة ” أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ” فاتقوا الله ربكم حق التقوى، فإن تقوى الله خير لباس لكم وزاد، وأفضل وسيلة إلى رضا رب العباد، وإن من أعظم خصال التقوى، وأجل صفات أهل الإيمان، وأحسن خلال المسلم، ودلائل جميل الديانة، وشواهد صلاح الباطن.
وعلامات وفور العقل وصحته هو الحرص الشديد على التفقه في الدين، فأكثروا مِن تحصيل مسائله، وشمروا في طلبه حفظا وقراءة ومذاكرة، وخذوه عن أهله الراسخين الأكابر من أهل السنة السائرين على منهج السلف الصالح، تفلحوا وتفوزوا وتسعدوا في دنياكم هذه، وإذا لقيتم ربكم ومولاكم يوم يبعثر ما في القبور، ويحصّل ما في الصدور، ويصير الناس إلى جنة أو نار، وإن العبد ليحضر للواعظ المبهر عددا كثيرا، وزمنا طويلا، فيسمع وعظه وتذكيره فيتأثر به ساعة، فإذا عافس الأزواج والأولاد والأموال ضعف ونسي ما قد سمع، وإنه ليحضر قليلا للعالم الراسخ أو طالب العلم القوي السائر على طريقة السلف الصالح ومنهجهم، فيأخذ عنه حكم مسألة أو مسائل عدة.
فيظل يعمل بما عرف عن طريقه من واجب أو سنة طيلة حياته، فتأتيه الحسنات الكثيرة، والأجور الكبيرة، فينتفع بذلك في الآخرة أعظم النفع، وإن العبد ليسمع الواعظ البليغ يحض على الجهاد، ويعدد الكوارث التي تحل بالأمة، فيتفاعل مع قيله، ويتحمس له، وربما سمع من أقوام أن جهادا حصل في أرض كذا فيذهب إليه، لكنه يأتي إلى العالم الراسخ أو طالب العلم القوي فيبين له أن هذا ليس بجهاد شرعي، يراد به أن تكون كلمة الله هي العليا، بل فتنة قامت بين مسلمين، أو تصارع نشب لأجل الدنيا والوصول إلى الحكم، وأن بعض الأحزاب القائمة عليه ليست على سبيل المؤمنين، بل من الخوارج المكفرين للمسلمين بالذنوب، ويبيّن له أن الجهاد في الشريعة منوط بولاة الأمر، ويكون تحت رايتهم.
ولا يعقده دعاة أو شباب أو أحزاب وجماعات من عند أنفسهم، فينتفع بعلم العالم وطالب العلم الذي أخذه عنهم أعظم النفع، فيلقى ربه ولم تتلطخ يده بدم نفس مسلمة أو نفس معاهد أو مستأمن، يلقى الله وهو لم يتسبب في زيادة الاقتتال والقتل والخوف والجوع والتدمير والتتشريد والكوارث في بلاد المسلمين، يلقى الله ولم يكن من أسباب زيادة تسلط الأعداء على المسلمين وبلادهم، يلقى الله وهو لم ينقض بيعة ولي أمره وحاكمه، ولا خرج مع قوم بدون إذنه، ولا إذن أمه وأبيه، يلقى الله ولم يكن من معاول تشويه دين الإسلام، وتشويه صورة المسلمين، وإبعاد الناس عن الدخول فيما أوجبه الله عليهم وهو الدخول في الإسلام.