مدينة الموتى.. أسرار تاريخية لا تزال تبوح ببعض من ألغازها

اعداد/ رانيا البدرى

 

 

في قلب صعيد مصر، وتحديداً بمنطقة البهنسا بمحافظة المنيا، تختبئ أسرار تاريخية لا تزال تبوح ببعض من ألغازها. تلك المنطقة، التي كانت ذات يوم مسرحاً للحياة والعبادة في العصر البطلمي.

أصبحت اليوم نافذة جديدة على الماضي، حيث كشفت بعثة أثرية مصرية-إسبانية مشتركة بين جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم عن اكتشاف مذهل: مقابر تعود للعصر البطلمي، تحتضن بين جدرانها ألسنة وأظافر ذهبية لمومياوات، بالإضافة إلى كنوز أثرية تروي قصصاً لم تُحكَ من قبل.لكن ما هي القصة وراء تلك الاكتشافات؟ وهل تم الكشف عن أسرار مشابهة في هذه المنطقة؟

بدأت القصة عندما شرعت البعثة الأثرية في التنقيب بمنطقة البهنسا، إحدى أهم المناطق الأثرية في مصر. وعلى الرغم من أن المنطقة شهدت اكتشافات سابقة، فإن هذا الموسم حمل مفاجآت فريدة. في عمق الرمال، داخل عدد من المقابر المزينة بنقوش وكتابات ملونة، عُثر على مومياوات وهياكل عظمية تزينها ألسنة وأظافر ذهبية.

أوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن العثور على 13 لساناً وأظافر ذهبية لأول مرة في البهنسا يعد إنجازاً غير مسبوق. تلك المكتشفات تمثل ممارسات جنائزية تعود للعصر البطلمي، حين كان الذهب يُستخدم كرمز للقدسية والخلود.

إلى جانب الألسنة والأظافر الذهبية، اكتشفت البعثة مجموعة مدهشة من التمائم والجعارين. ففي إحدى المقابر، وُجد جعران القلب داخل جسد مومياء، وهو رمز اعتاد المصريون القدماء وضعه لضمان حماية القلب في الحياة الآخرة. كما تم العثور على 29 تميمة لعمود «جد»، رمز الاستقرار، بالإضافة إلى تمائم تمثل المعبودات حورس وجحوتي وإيزيس.تلك التمائم والجعارين لم تكن مجرد قطع أثرية، بل أدوات تحمل معاني روحية عميقة. فقد كانت تُستخدم في الطقوس اليومية لضمان الحماية من الشرور واستدعاء بركة الآلهة.

داخل المقابر المكتشفة، كشفت الجدران عن نصوص ومناظر طقسية تمثل مجموعة من المعبودات المصرية، بعضها يظهر لأول مرة في منطقة البهنسا. كانت الجدران مزينة برسوم ملونة للمعبودات أنوبيس وأوزوريس وآتوم وحورس وجحوتي، بينما غطى السقف رسم بديع للمعبودة نوت، ربة السماء، محاطة بالنجوم والمراكب المقدسة. كما لفتت الأنظار طبقة رقيقة من الذهب تغطي وجه المومياء التي يجري تحنيطها، ما يشير إلى استخدام الذهب كرمز للخلود والتواصل مع العالم الآخر.

خلال أعمال التنقيب، عثرت البعثة على بئر دفن مستطيلة تؤدي إلى مقبرة تحتوي على صالة رئيسية وثلاث حجرات. تلك الحجرات كانت تضم عشرات المومياوات متراصة جنباً إلى جنب، مما يُشير إلى استخدامها كمقبرة جماعية.وفي بئر آخر قريب، اكتشفت البعثة مقبرة مزينة برسوم وكتابات ملونة، تصور صاحبها «ون نفر» وأفراد أسرته أمام المعبودات، في مشهد يعكس الحياة الطقسية للعصر البطلمي.

هذه ليست المرة الأولى التي تبوح فيها البهنسا بأسرارها. في مواسم سابقة، اكتشفت البعثة عدداً من المقابر التي تعود للعصر الصاوي واليوناني والروماني، بالإضافة إلى كنيسة البازيليكا الرومانية ومعبد الأوزريون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى