حرب لبنان: هذه قصتي التي أرويها للمرة الأولى بقلم منال جعفر

حرب لبنان: هذه قصتي التي أرويها للمرة الأولى
منال جعفر – بيروت
هل كان علينا الخنوع والرضوخ لكي يتم نفينا من وطننا متحسرين؟ لا يا جزءاً مني نحن لا نملك رفاهية الانهيار لن نتخلى عنك مهما حيينا .
أنت يا معبد الآلهة يا كلي يا بعضي منفاي يا تربي، يا نجمي الساطع يا تاريخاً لن يهرم، يا ملاذي يا أمني يا اماني.
منذ بدء الحرب على لبنان هناك من ترك منزله وهرول مسرعاً خائفاً من تداعيات الحرب المقيتة حذر الموت المحدق من كل جانب، وهناك من تمسك بجذورها غير آبه بنهايته لان عقيدة الصمود تسري في أوردته.
بعيداً عن توجهات سياسية طائفية، نحن أولاد وأبناء هذا الوطن الواحد فرقتنا السنن واجتمعنا جميعاً على قداسته، لنتلو عليكم بعضاً من مجتزئات الحرب الداخلية والنفسية، فمهما حاولت إظهار مشاعرك، فالحقيقة أنه لا توجد كلمات تصف بشاعة ما رأينا وما احسسنا وما آلت إليه الأمور بتسارع الأحداث.
منذ بدأ نكستنا حتى نهايتها، ما علينا اليوم فعله أن نعد نكبتنا ونكستنا، عمرنا اللذي ضاع خوفاً ورعباً، أنا التي كنت أحترف فن التعالي وبناء الأمل، بتّ أتسول شهقات أنفاسي كأنها الأخيرة، أستيقظ بعد ليلٍ دامٍ أواكب أخباراً لا تفرح، لا أمل بنهاية بهذه الحرب حتى إن وقف النار جزئياً.
هنا يشنّ أصحاب المصالح الحروب ويدفع الفقراء ثمنها، في السلم يشيع الأب ابنه، في خوص المعارك بات الآباء يشيعون فلذات أكبادهم شهداء إلى مثواهم الاخير، إنَّها الحرب يا من تسمعوني، أكلت ثلاثة أرباع أحلامنا، حرب تغافلت عنها ضمائر العالم المتحضر كما يسمونه، فقد تخاذلو وباعونا بأبخس الاسعار.
نلتقط حبات الخوف بمنقار الحيطة والحذر وحبس الأنفاس، مشاهد تشمئز منها العين ويتقيأها العقل، والمخيلة تتشاهد عندما تستحضر بعد المشاهد وصور تلك المآسي، فروائح الموت تحيطنا من كل جانب.
ما الحرب إلا نتاج كره، وُصِفَت بالشر المطلق، إنَّها حرب الإبادات الجماعية، تركت جروحاً مفتوحة لا تندمل في ذاكرة الشعوب، وفي النهاية إنهم ينشغلون بسفك الدماء والفناء، من نجا منا قد سقط قتيلا، ومن استشهد قد نجا، معادلة الألم المستباح دفعنا ثمنها باهظاً.
هل ستُمحى الآثار النفسية بمجرد انتهاء الحرب أم قد تستمر هذه المعاناة؟
نحن من نَجَونَا نعيش مهزلة استعادة الذكريات المأساوية ومشاهد القتل، نعيش كَمَّاً هائلاً من الاضطرابات النفسية، كلنا في الحرب خسرنا، الفاقد منا والمفقود، منَّا المقتول والجريح والهارب والأسير، ومنا أمهات ثكالى ويتيم خسر عائلته ومُشرَّد أُطِيحَ بمسقط رأسه، كل وحيد يبكي خلسة مشتاق، تم نسف جميع قوانين الإنسانية، إنَّ ما تعرَّضنا له في لبنان باختصار هي نقمة القرن الواحد والعشرين.
في ريعان الشباب شخنا، كأنما جميع محاور الأرض اتفقت أن تهزمنا، تهزم عزيمتنا، ونحن كشعب نمارس فن الحياة برباطة جأش، بقلب فارس مغوار ورجل تربص الحدود دفاعاً عنها.
اختصرها محمود درويش حين قال “ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز تنتظر ابنها الشهيد وتلك الفتاة زوجها الحبيب والأطفال ينتظرون والدهم البطل”، لا أعلم حقاً من باع الوطن ولكم نعلم جيداً من دفع الثمن، فأنا من هول ما مررت به، بتّ إشكالية بحد ذاتي، فلا عقل يستطيع إنجاب إشكالية إلَّا بكيفية وحدة العرب وانتهاء مصيرهم المجهول في بحر الظلام نحو شاطىء الأمان.