لغة العلم الأولى تصارع من أجل البقاء

اعداد/ رانيا البدرى

 

 

العالم أجمع يحتفل باليوم العالمي للغة العربية، على الرغم من حالة السكون التي أصابت أهلها في مظاهر الإحتفال بيومها، فعلى الرغم من احتلال اللغة العربية مكانة مميزة بين لغات العالم، والتي تعد واحدة من اللغات الست المعتمدة في الأمم المتحدة، بجوار الإنجليزية والفرنسية والروسية والصينية، أصحاب المقاعد الدائمة في مجلس الأمن، وأيضًا اللغة الإسبانية، فهذا شرف ومكانة لم تحوزها لغات أخرى لدول قوية، فاللغة العربية أوسع اللغات انتشارًا، على الرغم ما تواجه تحديات تهدد عرشها، داخليا وخارجيا.

أزمة كبيرة تواجهها اللغة العربية في عرينها العربي، دفعنا ذلك أن نعقد لقاءات ونجري حوارات مع سدنة هذه اللغة من علماء المجامع اللغوية وعلماء جامعة الأزهر، لنتجول معهم في رحلة طويلة ممتدة في رياض العربية لنتعرف منهم ومعهم على تاريخ هذه اللغة وانتشارها وازدهارها، والوهن الذي أصابها، ولنتعرف على السياسات اللغوية التي نتبناها من أجل الحفاظ على أخر أسلحتنا في هذا الوجود، وآخر قلعة من قلاع الهوية التي يحتمي بها الإنسان العربي من خطر فقدان شخصيته وذوبانه في الثقافات الغربية. فاللغة العربية المقدسة العظيمة ليست لغة استقامة اللسان فحسب، وإنما هي الرابطة بين الأمة العربية كلها في وحدتها وتضامنها.

وعلى الرغم من التقدم الذي تحرزه اللغة العربية في العصر الحديث، لكنها تواجه انحسارًا حضاريًا، وخطر التقوقع أمام عزوف البعض عنها، ومشكلة اللغة العربية هي مشكلة أهلها، فهي اللغة الوحيدة التي لا يفتخر أهلها بالانتماء إليها ويحرصون على أن يقدموا عليها لغات أخرى في مفاصل الحياة الرئيسية، لتفقد اللغة العربية أرضا جديدة كل يوم أمام كارثة التعليم الأجنبي بسبب الأجيال التي لا تعلم عن لغتها شيئا.

يروى أن أحد الباحثين في فرنسا ذهب إلى مؤتمر علمي خارج بلاده وتحدث فيه باللغة الإنجليزية، فأمره على الفور رئيس الدولة الفرنسية بإرجاعه من المؤتمر لأنه لا يمثل مهابة اللغة الفرنسية، ولو انتقلنا من فرنسا إلى آيسلندا، تلك الأمة الصغيرة، التي لا يتجاوز تعدادها السكاني 350 ألف نسمة، تدرس لغتها الرسمية اللغة الآيسلندية وتتمسك بها، ناهيك عن ما يفعله الإنجليز في تعليم لغتهم للعالم، فكم من أمة صغيرة وكبيرة تدافع عنها.

أجمع حراس اللغة العربية على أنها ظهرت في أعماق سحيقة من التاريخ، ونشأت كما تنشأ اللغات الأخرى، فقد اهتدى إليها فريق من الناس مثلما تهتدي كل أمة إلى لغتها. ومسألة الجذور والأصول اللغوية سحيقة جدًا في التاريخ كما يقول الأستاذ الدكتور عبد الحميد مدكور الأمين العام لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، ثم مرت بأطوار، بدأت بكونها لغة قبيلة، ثم انتقلت إلى مجموعة من القبائل، ثم تحولت إلى لغة تجمع لهجات، وكل قبيلة بالنسبة للعرب تتحدث بلهجتها، فهناك تميم وهذيل، وأسماء كثيرة من أسماء القبائل العربية، كل قبيلة ذات مكان وموضع، وذات تاريخ، تتحدث بلهجة، واللهجات تختلف، قد تجد هذا الشيء باسم ثم تجده باسم آخر في مكان آخر، وليس هناك رابط ولا جامع في الزمن القديم، فعندما نقول الأسد له تسعين اسماً فهذا معناه أن قبائل سمته بهذا الاسم، والسيف له سبعين اسماً فقبائل سمته بهذه الأسماء، الحسام والمهند والسيف ..إلخ، كلها أسماء للسيف، فهي تنشأ أولا في مجتمع صغير، ثم تنشأ لهجات في هذه المجتمعات الصغيرة ثم بعد ذلك تتغلب لهجة جماعة من هؤلاء على بقية اللهجات.

وكان ذلك من حظ قريش لأن قريشًا كانت في مكة، وهي البلد الحرام المعظم في الجاهلية والإسلام فكانوا يعقدون المواسم الثقافية في سوق عكاظ ، وفي سوق المربد في البلاد ويأتي الشعراء، وعندما يأتي الشعراء في أمثال هذه المواطن يسعون إلى أن يحدثوا الناس بلهجة موحدة مشتركة ويتركون كثيرا من كلمات القبائل الخاصة بهم عندما يعودون إلى مواطنهم، وهكذا وبهذا التجمع الذي يجمع الناس بدأنا نحصل على لهجة كبرى لتكون شائعة في جميع القبائل لأن شعرائهم عندما يجتمعون يستعملون اللغة التي يفهمها جميع الناس فوصلنا إلى لهجة عليا كبرى تتمثل في لهجة قريش وبعض المواطن في الجزيرة العربية، وأصبح عندنا لهجة إلى مستوى أكبر من كل هذه، وعنئذ بدأ الشعر يصاغ والشعر من أسباب حفظ اللغة العربية.

واللغة العربية عضو من جماعة لغوية توسم بأنها اللغة السامية التي تنسب إلى أحد أبناء سيدنا نوح عليه السلام، وكان لها أخوات، هؤلاء الأخوات انقرضوا في التاريخ مثل السريانية، التي انقرضت وتحولت إلى لغة ثقافية محدودة يتعلمها الناس، مثلما انقرضت من الاستعمال في وقتها اللغة الهيروغليفية على سبيل المثال، والتي كانت هي اللغة السائدة في المجتمع المصري، ثم تحولت إلى لغة ديموطيقية ولغة اتصلت باليونان ودخلت عليها تأثيرات، فهي سلالة أو فصائل لغوية تنسب إلى أم مفقودة وهي السامية التي تنسب إلى سام بن نوح عليه السلام، وكل واحد أخذ جزءا من خصائص هذه اللغة، لكن اللغات الأخرى انقرضت ولم تعد مستعملة إلا في نطاق محدود سواء كان ذلك دينيا أم ثقافيا، مثلما انقرضت اليونانية القديمة والفارسية القديمة والسريانية القديمة، وأصبحت شيئا محدودا جدا، بحيث أنه يتعلمها الناس وإذا ارتبطت بدين معين تبقى لكن بعض اللغات، التي ارتبطت بدين انقرضت في شكلها القديم، فمثلا اللغة العبرية عندما تحدث موسى عليه السلام تحدث باللغة الأرامية وليست باللغة العبرية، ليس بالأرامية التي كانت سائدة في وقت موسى عليه السلام فلم يكن لهذه اللغة انتشارًا كبيرًا، وبعد أن تفرق اليهود في سائر أنحاء الأرض أصبحت اللغة مهملة، فاللغة العبرية الحديثة ليست هي اللغة العبرية القديمة وهي ليست معروفة إلا في مواطن العبادة فقط فالعبري الحديث لا يقرأ إلا إذا تعلم اللغة العبرية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى