في حوار معمق بين د. باسم الجمل ود. عبد اللطيف الحناشي “مجتمع” يناقش التاريخ وجذور التطرف والسلفية التكفيرية

وليدمحمد
في حلقة جديدة من برنامج “مجتمع” على منصة “مجتمع” للدراسات التاريخية والثقافية، استضاف الدكتور باسم الجمل الباحث والمؤرخ التونسي الدكتور عبد اللطيف الحناشي، حيث تطرق النقاش إلى قضايا عميقة ومتنوعة تتعلق بالتاريخ، السلطة، العنف، والسلفية التكفيرية، مع تحليل دقيق للعوامل التاريخية والاجتماعية التي شكّلت هذه الظواهر.
بدأ الحوار بتساؤل جوهري حول مفهوم التاريخ. وأكد الدكتور الحناشي أن التاريخ ليس مجرد تسجيل للأحداث، بل هو دراسة تفاعلات الإنسان مع واقعه، مشيرًا إلى أهمية تحديد الحدث والزمن والفاعل لفهم الأحداث التاريخية بشكل دقيق. كما أشار إلى تطور علم التاريخ من سرد الأحداث إلى تحليلها، مستشهدًا بأهمية ابن خلدون في هذا المجال.
وتحدث الدكتور الحناشي عن ضرورة التأهيل الأكاديمي للمؤرخين، موضحًا أن الدراسة الأكاديمية تشمل مراحل متعددة من البكالوريوس إلى الدكتوراه. وأكد على أهمية توفر الأدوات البحثية والمعرفة بالأركيولوجيا لفهم الفترات التاريخية المختلفة.
تناول النقاش دور التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، في مساعدة المؤرخين. وأوضح الحناشي أن هذه الأدوات قد تسهم في فهم التاريخ القديم وتسهيل الوصول إلى المعلومات، لكن يجب أن يكون المؤرخ واعيًا لكيفية استخدامها بشكل نقدي.
أثار الحوار قضية توظيف التاريخ من قبل الأنظمة السياسية. وأشار الحناشي إلى أن العديد من الأنظمة تسعى لتشكيل سرديات تاريخية تتناسب مع أيديولوجياتها، مما يؤدي إلى إعادة كتابة التاريخ بطرق قد تكون مضللة.
تم التأكيد على أن الأحداث التاريخية يمكن أن تُروى بعدة طرق، حيث يعتمد كل مؤرخ على مصادره ورؤيته الخاصة. وأوضح الحناشي أن المؤرخ يجب أن يطرح أسئلة نقدية حول الأحداث لفهمها بشكل شامل. مؤكدا على أهمية النزاهة والموضوعية في دراسة التاريخ، وضرورة تجنب السقوط في فخ الأيديولوجيات التي قد تؤثر على التحليل العلمي للأحداث.
واستعرض الحناشي تاريخ العنف في الدول الإسلامية، من خلال دراسة الدولة الأموية كنموذج. مشيرا إلى أن استخدام السلطة للعنف ضد المعارضين ليس مقتصرًا على فترة معينة، بل هو سلوك متجذر في كل الأنظمة السياسية، مع التفاوت في الأدوات المستخدمة.
تناول الحوار جذور السلفية العنيفة ودورها الوظيفي في أحداث كبرى، مثل الحرب في أفغانستان والثورة الإيرانية. وناقش الحناشي كيف تحولت السلفية من مجرد حركة دينية إلى أداة سياسية توظفها جهات داخلية وخارجية لتحقيق أهدافها.
كما قدم د. عبد اللطيف الحناشي رؤى جديدة حول استخدام الاحتلال الفرنسي للإبعاد والنفي كوسيلة لقمع الحركات الوطنية التونسية. وأبرز كيف ساهمت هذه السياسات، عكس المتوقع، في انتشار الحركات الوطنية جغرافياً وتعزيزها اجتماعياً.
وأكد الحوار على أهمية الإعلام في نشر الوعي والتصدي للأفكار المتطرفة، عبر تقديم قراءات نقدية ومعاصرة للنصوص التاريخية والدينية.
وتسعى منصة “مجتمع” لتعزيز التفكير النقدي والنقاش حول القضايا المعاصرة، وتتبنى رؤية نهضوية للمجتمعات العربية، ملتزمة بقضايا الأمة العربية، والعمل على رقيها وتطوّرها، انطلاقًا من فهم أنّ التطور لا يتناقض مع الثقافة والهوية، بل إنّ تطوّر مجتمعٍ بعينه، بفئاته جميعها، غير ممكنٍ إلا في ظروفه التاريخية، وفي سياق ثقافته، وبلغته، ومن خلال تفاعله مع الثقافات الأخرى.