رسول الله محمد يودع إبنته رقية .. بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها شغلا، وسهل لهم طرقها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا وكمل لهم البشرى بكونهم خالدين فيها لا يبغون عنها حولا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلي الله عليه وسلم ثم أما بعد مع الطاهرات العفيفات الشريفات بنات رسولنا الكريم المصطفي محمد صلي الله عليه وسلم ومع السيدة رقية بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأمها هي أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها وكانت ولادتها سنة ثلاث وثلاثين من مولد أبيها صلى الله عليه وسلم، وهي ثانية بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرة العظيمة صاحبة الهجرتين رضي الله عنها، ولما بلغت رقية رضي الله عنها وأختها أم كلثوم عليهما السلام مبلغ الزواج.
وقد خطبهما أبو طالب لابني أخيه عبد العزى وهو أبي لهب وهما عتبة وعتيبة، فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لأبو طالب من مكانة عنده صلى الله عليه وسلم ولان الخاطبين ابنا عمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد زوج إبنته رقية من عتبة بن أبي لهب، وكانت دون العاشرة، وزوج أختها أم كلثوم عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت سورة تبت قال لهما أبوهما أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية حمالة الحطب فارقا إبنتي محمد، وما كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقى رسالة ربه تعالى ويدعو الى دين الحق حتى بدأت قريش حربها ضده صلى الله عليه وسلم فإجتمع سادة قريش وقالوا إنكم قد فرغتم محمدا من همه، فردوا عليه بناته فاشغلوه بهن، وذهب سادة قريش الى أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة
وقالوا لهم واحدا بعد الاخر فارق صاحبتك ونحن نزوجك أي امرأة من قريش شئت فأبى أبو العاص زوج زينب الكبرى رضي الله عنها وعنه أما إبنا ابي لهب فإستجابا على الفور وكان أبو لهب قد قال لإبنيه رأسي من رأسيكما حرام ان لم تطلقا إبنتي محمد، ففارقاهما قبل أن يدخل بهما كرامة من الله تعالى، وهوانا لابني أبي لهب، وأسلمت السيدة رقية حين أسلمت أمها السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنهن جميعا، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها حين بايعه النساء، وولدت السيدة رقية وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث وثلاثون عاما، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم وعمره أربعون، وأسلمت رقية مع أمها خديجة، فعلى هذا يكون عمرها عند إسلامها سبع سنوات، وكانت تكنى بأم عبد الله، وتكنى بذات الهجرتين، أي هجرة الحبشة وهجرة المدينة
ولما أراد الصحابي الجليل عثمان بن عفان الخروج إلى أرض الحبشة، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اخرج برقية معك ” قال أحال واحد منكما يصبر على صاحبه، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقال “ائتني بخبرهما ” فرجعت أسماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر رضي الله عنه، فقالت يا رسول الله أخرج حمارا موكفا فحملها عليه، وأخذ بها نحو البحر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يا أبا بكر، إنهما لأول من هاجر بعد لوط وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام” وشاءت قدرة الله لرقية أن ترزق بعد صبرها زوجا صالحا كريما من النفر الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ذلك هو عثمان بن عفان رضي الله عنه صاحب النسب العريق، والطلعة البهية، والمال الموفور، والخلق الكريم.
وما كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليبخل على صحابي مثل عثمان رضي الله عنه بمصاهرته، وسرعان ما إستشار إبنته، ففهم منها الموافقة عن حب وكرامة، وتم لعثمان نقل عروسه إلى بيته، وهو يعلم أن قريشا لن تشاركه فرحته، وسوف تغضب عليه أشد الغضب، ولكن الإيمان يفديه عثمان بالقلب، ويسأل ربه القبول، ودخلت رقية بيت الزوج العزيز، وهي تدرك أنها ستشاركه دعوته وصبره، وأن سبلا صعبة سوف تسلكها معه دون شك إلى أن يتم النصر لأبيها وأتباعه، وسعدت رقية رضي الله عنها بهذا الزواج من التقي النقي عثمان بن عفان، وولدت رقية غلاما من عثمان فسماه عبد الله، وإكتنى به، وما أن توفي إبنها عبد الله حتى أصابتها رضي الله عنها حمى شديدة حزنا على فراق قرة عينها ومكث الزوج العظيم بجوارها يمرضها ويرعاها
الى أن خرج المسلمون لغزوة بدر فأراد عثمان رضي الله عنه أن يلبي نداء الجهاد ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رخص له البقاء بجوار زوجته، التي كانت تعالج ما يشبه سكرات الموت، وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم له بسهم في الغنائم وعد ممن حضرها، وتوفيت رضي الله عنها وقد جاء بشير النصر العظيم في بدر، وجاء الأب الثاكل صلى الله عليه وسلم فودع إبنته وصلى عليها وشيعت المدينة كلها رقية رضي الله عنها، وتوفيت السيدة رقية رضي الله عنها عند الصحابي الجليل عثمان بن عفان مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر، ودفنت بالمدينة.