ظاهرة الأمية الحضارية.. الجهل في زمن الانفجار المعرفي

كتابة و اعداد/ الزهرة العناق
في زمن تتسارع فيه خطوات البشرية نحو التقدم والتطور، يبدو أن المفارقة الكبرى تكمن في تفشي ظاهرة “الأمية الحضارية”، التي ليست مجرد جهل بالقراءة والكتابة، بل جهل بفهم الواقع، و التفاعل مع متغيراته، و استثمار المعارف لصالح الفرد والمجتمع. إنها أمية عصرية ترتدي ثوب الحضارة، لكن في جوهرها تعري العقل من أدواته الفعالة.
ماهي يا ترى الأمية الحضارية؟
الأمية الحضارية تتجاوز الفهم التقليدي للأمية المرتبطة بالمعرفة الأكاديمية، لتصل إلى غياب الوعي بالقيم الإنسانية، وتدهور قدرة الفرد على مواكبة الثورة التقنية، وضعف التفاعل مع التحديات البيئية، الاجتماعية، والاقتصادية. إنها أمية تخلف شعوبا تفتقد الروح النقدية والرؤية المستقبلية، رغم توافر المعلومات بلمسة زر.
ما هي جذور هذه المشكلة؟
★المنظومة التعليمية التقليدية:
في كثير من الدول، لا تزال المناهج التعليمية حبيسة الأفكار القديمة، غير قادرة على تخريج أفراد يمتلكون التفكير النقدي أو مهارات التحليل العميق.
★التعلق بالسطحية:
مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت منصات تسطيح فكري، حيث يقدم المحتوى المستهلك على حساب الإبداع والتحليل.
★العزلة عن الثقافة العالمية:
رغم الانفتاح التكنولوجي، يعيش البعض في قوقعة منغلقة، يرفض فيها الاطلاع على الثقافات الأخرى، مما يكرس الجهل الحضاري.
تجد أستاذ جامعي ينقل كل الدروس من اليوتوب دون بدل أي جهد و دون ضمير يقدمها للطالب كما هي، كأن الطالب بليد لا يعرف مصدر المعلومة.
ما هي أبعاد الأمية الحضارية؟
★اجتماعيا: تتجلى في ضعف الوعي المجتمعي بالقضايا الكبرى مثل حقوق الإنسان، وقضايا المناخ.
★اقتصاديا: تؤدي إلى غياب الابتكار وتدهور الإنتاجية، مما يعمق الفجوة الاقتصادية بين الدول.
★سياسيا: تنعكس في الانسياق الأعمى خلف الخطابات الشعبوية، وغياب التفكير السياسي الواعي.
ما هي الحلول الممكنة؟
★إصلاح التعليم:
تحويل التعليم من منظومة تلقينية إلى منظومة قائمة على التحليل والإبداع، مع التركيز على القيم العالمية والمواطنة الكونية.
★إعادة تعريف الإعلام:
توجيه الإعلام ليكون وسيلة تثقيف و تنوير، وليس أداة للتسطيح و التسلية فقط.
★التشجيع على القراءة والمعرفة:
تنشيط دور المكتبات العامة، وتعزيز ثقافة القراءة الحرة بعيدا عن المناهج الدراسية.
★إحياء الفنون والآداب:
تشجيع الإبداع الفني و الأدبي الذي يعبر عن روح العصر، ويثير الأسئلة، و يحفز التفكير.
أخيرا وليس آخرا، الأمية الحضارية ليست مجرد حالة فردية، بل هي أزمة جماعية تهدد الحاضر والمستقبل. لا يمكننا مواجهة تحديات هذا العصر بعقلية تقليدية، ولا يمكننا بناء عالم أفضل دون أن نحرر عقولنا من قيود الجهل الحضاري. التقدم الحقيقي يبدأ من الوعي، والمعرفة هي السلاح الأقوى في وجه الأمية بكل أشكالها.