ما أصاب من مصيبة في الأرض .. بقلم الكاتب / محمـــد الدكـــروري

 

 

الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الخلائق والبشر، الشفيع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، ثم أما بعد لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يترك بعض العمل خشية المشقة على أمته، وفي قصة صلاة التراويح حين صلى ذات ليلة فاجتمع الناس وصلوا بصلاته، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، وإجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال صلى الله عليه وسلم ” قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم” كما كان يدخل الصلاة وهو ينوي إطالتها فيتجوز فيها حين يسمع بكاء الصبي كراهية أن يشق على أمه.

وكما كان ينكر على من يترك هديه ويشدد على نفسه، وهذه سنته صلى الله عليه وسلم وسط بين الغالي والجافي، وشريعته مبنية على التيسير ورفع الحرج والبعد عن التكلف والتعمق والتنطع الذي يؤدي إلى الضيق والحرج، وإن طريق تحصيل الثواب في شريعة الإسلام لا يكون بالقصد إلى المشقة والغلو، ولكن بالتوسط واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم والإخلاص لله رب العالمين، وإن من الأسباب المعينة على الصبر هو الإيمان بقدر الله تعالي حيث أن إيمان العبد بقدر الله عز وجل النافذ وإستسلامه له أكبر عون على تجشم مصاعب المصائب، وعلم العبد بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه برد من اليقين يصب على فؤاده، قال تعالى. 

” ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم” وركون المؤمن إلى قدر الله في مثل هذا المقام واحتجاجه به أمر لا غبار عليه لأنه إحالة على القدر فيما لا إختيار للعبد فيه، وإعلم أن الجزع والهلع والتبرم والضيق لايرد من قدر الله تعالي شيئا فلابد من الصبر أول الأمر لئلا يحرم العبد من المثوبة ولئن لم يصبر أول الصدمة فسيصبر بعد ذاك رغم أنفه ولا أجر له، قال حكيم “العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد السبعة أيام” وإن المبالغة في التشكي والتبرم لا يغير من الواقع شيئا بل يزيد النفس هما وكمدا ولهذا قال الله لرسوله كما جاء في سورة الأنعام. 

” قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبوك، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون، ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءك من نبأ المرسلين، وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين” فأزال الوحشة عن قلب الرسول المصطفي صلى الله عليه وسلم في أول آية بأن تكذيبهم ليس للرسول وإنما هو لله تعالى، ثم عزاه في الثانية وسلاه بما حدث لرسل الله فصبروا، ثم قال تعالي له إن شق عليك إعراضهم وذهبت نفسك عليهم حسرات وضاق صدرك فليس لك إلا الصبر، وإلا فافعل ما بدا لك فإن إستطعت أن تبتغي نفقا في الأرض تهرب منه أو سلما في السماء، تصعد عليه فدونك فافعل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى