الدكـــروري يكتب: النبي ينعى زيدا وجعفر وابن أبي رواحة

الحمد لله المحمود بجميع المحامد تعظيما وثناء المتصف بصفات الكمال عزة وكبرياء، الحمد لله الواحد بلا شريك القوي بلا نصير العزيز بلا ظهير الذي رفع منازل الشهداء في دار البقاء وحث عباده على البذل والفداء أحمده سبحانه حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه فهو الأول والآخر والظاهر والباطن ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأئمة الكرام النجباء وسلم تسليما كثيرا أما بعد فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، ثم إني أوصيكم بالصلاة والتسليم، على المصطفى الكريم، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فإنها وصية الله تعالى لكم.
وقد وعدكم إن أتيتم بها بالأجر العظيم والفضل العميم، فيا أيها المسلمون إن من خير ما بذلت فيه الأوقات، وشغلت به الساعات هو دراسة السيرة النبوية العطرة، والأيام المحمدية الخالدة، فهي تجعل المسلم كأنه يعيش تلك الأحداث العظام التي مرت بالمسلمين، وربما تخيل أنه واحد من هؤلاء الكرام البررة التي قامت على عواتقهم صروح المجد ونخوة البطولة، وفي السيرة يتعرف المسلم على جوانب متعددة من شخصية النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم وأسلوبه في حياته ومعيشته، ودعوته في السلم والحرب، فروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفر وابن أبي رواحة في غزوة مؤتة قبل أن يرجعوا إلى المدينة أو يأتي خبرهم، فقال صلى الله عليه وسلم ” أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب،
ثم أخذ الراية ابن أبي رواحة فأصيب، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم” رواه البخاري، ولذلك كان حسان بن ثابت رضي الله عنه يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مشهد، فإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في صحوة اليوم أو غد، وقول النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم “أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذ الراية ابن أبي رواحة فأصيب، ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم” بجانب إظهاره لمعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يسجل فضلا خاصا لخالد بن الوليد رضي الله عنه، حيث لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بسيف الله وقد أسهمت غزوة مؤتة في إبراز خالد رضي الله عنه كشخصية عسكرية فذة، وقيادة حكيمة.
كان لها دورها في الفتوحات الإسلامية بعد ذلك، فقد أبلى رضي الله عنه في القتال بلاء عظيما، يصف ذلك ويقول “لقد إنقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية” وقال ابن حجر وهذا الحديث يدل على أن المسلمين قد قتلوا من المشركين كثيرا، وخالد رضي الله عنه بفضل الله عز وجل وتوفيقه له، ثم بخطته العسكرية الحكيمة أنقذ الله به المسلمين مِن هزيمة شديدة، إذ غيّر مواقع فرق الجيش، فأبدل الساقة مع المقدمة، وأبدل الميمنة مع الميسرة، ليوهم الأعداء بأن هناك مددا للمسلمين جاءهم، وقد أفلحت الخطة، وإنكشف الروم منهزمين، وتم الفتح على يدي خالد بن الوليد رضي الله عنه، وتمكن من الإنسحاب بالجيش دون أن يتكبد المسلمون خسائر تذكر، على الرغم من أن عملية الإنسحاب من أصعب العمليات العسكرية.
حيث يكون الإنسحاب في ظروف مماثلة أصعب حركات القتال، لاحتمال إنقلاب الإنسحاب إلى هزيمة وخسائر فادحة، ومن ثم إستحق خالد رضي الله عنه هذا الوسام واللقب الذي لم ينله أحد بعده ولا أحد قبله، والذي سمّاه به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ” حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله” وهذا اللقب والوسام، الذي مضى معه حتى لقي به جيوش الفرس والروم، وسجّل له في كتب التاريخ والسيرة النبوية.