منها أربعة حرم ..بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

 

الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، والحمد لله الذي رضى من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله وصفيه وحبيبه أما بعد لله تبارك وتعالى منح وعطايا ومواهب يمنحها لعباده ويهبها لهم في كل حين، يمحو بها الخطايا ويكفر بها السيئات ويرفع الدرجات ويقيل العثرات، فقد شرع لنا جل وعلا شهرا نصوم فيه، وشهرا نحج فيه، ويوما أو يومين من بعض الشهور نصومها وشرع كذلك قيام الليل وصلاة الوتر والأضحية والعقيقة وغير ذلك من أنواع العبادات المختلفة المتنوعة. 

كل ذلك منه جل وعلا تنويعا لسبل الخير والطاعات وتنشيطا للنفس عندما تنتقل من نوع من الطاعات إلى نوع آخر فلا يمل الإنسان ولا يكل من طاعة الله تعالي، وتلك نعمة من نعم الله عز وجل علينا وذلك فضله سبحانه وتعالى، فالحمد لله القائل في كتابه العزيز “وربك يخلق ما يشاء ويختار” والاختيار هو الإجتباء والإصطفاء الدال على ربوبيته ووحدانيته وكمال حكمته وعلمه وقدرته ومن إختياره وتفضيله هو إختياره بعض الأيام والشهور وتفضيلها على بعض، وقد إختار الله تعالي من بين الشهور أربعة حُرما، قال تعالى ” إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم” وهي مقدرة بسير القمر وطلوعه لا بسير الشمس وإنتقالها كشأن الأمم الأخرى.

والأشهر الحرم وردت في الآية مبهمة ولم تحدد أسماؤها وجاءت السُنة بذكرها، فعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع وقال في خطبته “إن الزمان قد إستدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة إثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، والأربعة أشهر الحرم حرمها العرب في الجاهلية، وسبب تحريمهم ذي القعدة وذي الحجة ومحرم هو أداء شعيرة الحج، فكانوا يحرمون قبله شهرا ليتمكنوا من السير إلى الحج ويسمونه ذي القعدة لقعودهم عن القتال فيه، ثم يحرمون ذا الحجة وفيه أداء مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهرا ليعودوا إلى ديارهم.

وحرموا شهر رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والإعتمار، فيأمن قاصد البيت الغارة فيه، وسمي رجب رجبا لأنه كان يرجب أي يعظم، يقال في اللغة رجب فلانا أي خافه، وهابه، وعظمه، وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة في كلمة رجب، أن الراء والجيم والباء أصل يدل على دعم شيء بشيء وتقويته ومن هذا الباب هو قول رجبت الشيء أي عظمته، فسمي رجب لأنهم كانوا يعظمونه وقد عظمته الشريعة أيضا، وأما إضافته إلى مضر لأن مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيّرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم، وهو النسيء المذكور في قوله تعالى كما جاء في سورة التوبة ” إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى