إظهار المصيبة والتحدث بها .. الكاتب / محمـــد الدكـــرورى

الحمد لله رب العالمين الذي انشأ خلقه وبرا وقسّم أحوال عباده غنا وفقرا وأنزل الماء وشقّ أسباب الثرى، أحمده سبحانه فهو الذي أجرى على الطائعين اجره وأسبل على العاقلين سترا، هو سبحانه الذي يعلم ما فوق السماء وما تحت الثرى ولا يغيب عن علمه دبيب النمل في الليل أذا سرى، سّبحت له السموات وأملاكها وسبحت له النجوم وأفلاكها، وسبحت له الانهار وأسماكها، وسبحت له الآرض وسكانها، وسبحت له البحار وحيتانها، وإن من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم، فأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له لاند له ولا شبيه ولا كفأ ولا مثل ولا نظير، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، وأرسله رحمه للعالمين، وحجه على الناس أجمعين فصلوات الله وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الآبرار.
وصلوت الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا من صالح أمته، وأن يحشرنا يوم القيامه في زمرته ثم أما بعد إن مما يقدح في الصبر هو إظهار المصيبة والتحدث بها وكتمانها رأس الصبر، ويضاد الصبر الهلع وهو الجزع عند ورود المصيبة والمنع عند ورود النعمة حيث قال تعالى ” إن الإنسان خُلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا” الهلع أفحش الجزع، وكما أن من صبر على مجاهدة النفس والشيطان حصل له النصر، حيث قال الحافظ ابن رجب رحمه الله، من صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه غلب وحصل له النصر ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك غُلب وقُهر وأسر وصار ذليلا أسيرا في يدي شيطانه وهواه، وكما أن أكثر أسقام القلب والبدن تنشأ من عدم الصبر.
حيث قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالي أكثر أسقام البدن والقلب إنما تنشأ من عدم الصبر فما حفظت صحة القلوب والأبدان والأرواح بمثل الصبر فهو الفاروق الأكبر والترياق الأعظم ولو لم يكن فيه إلا معية الله مع أهله ومحبته لهم فإن الله مع الصابرين ويحب الصابرين، وكما أن الإمامة في الدين لا تتم إلا بالصبر حيث قال العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله تعالي، درجة الإمامة في الدين لا تتم إلا بالصبر واليقين كما قال تعالى كما جاء في سورة السجدة ” وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ” وإن الإسلام دين يسر لا دين عسر، والتكاليف فيه على قدر الاستطاعة، وهذا من يسر الإسلام وسماحته، ومرونته وكماله، وصلاحه لكل زمان ومكان، فيا عباد الله، ما أحوجنا إلى الخلق الجليل في زمن بلغ فيه البغض غايته، ورفع فيه الحسد رايته.
ما أحوجنا إلى السهولة واليسر، والسماحة والتجاوز، حتى نعيش في هذه الدنيا بهناء، ونكون يوم القيامة سعداء، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من كان سهلا لينا هينا حرمه الله على النار” وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غدا، على كل لين قريب سهل” وإن خلق السماحة ولين الجانب، ليس خلقا يمكن أن يدعيه كل أحد، إن الادعاء سهل لكن الحقائق تكذب ذلك أو تصدقه والدعاوى إذا لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء، ويظهر خلق السماحة عند التعامل بالدرهم والدينار، عندما تشحن النفوس بحب الدنيا وطلب المزيد، عن أبي صفوان سويد بن قيس رضي الله عنه قال جلبت أنا ومحرمة العبدي برا من هجر، فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم للوزان فسامه منا بسراويل، وعندي وزان يزين بالأجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان زن وأرجح” رواه الترمذي.