مجاهدة النفس على ترك المغريات.. أخلاق تسمو بالإنسان

بقلم/ الزهرة العناق
إن مجاهدة النفس على ترك المغريات ليست مجرد فعل عابر أو تضحية آنية، بل هي معركة شريفة تدور في أعماق الإنسان بين النداء الفطري الذي يميل إلى اللذة و المتعة، وبين نداء العقل والروح الذي يسمو بالإنسان إلى مراتب الأخلاق العالية. إنها مسيرة شاقة تحتاج إلى صبر، و إرادة لا تلين، و بصيرة تستضيء بنور الإيمان والعقل.
مجاهدة النفس هي حالة من ضبط الذات، تتطلب مراجعة مستمرة للنيات و الأفعال. هي القدرة على التغلب على الشهوات و النزوات التي تحيط بالإنسان في كل لحظة، لتزكية الروح، و الارتقاء بالسلوك، والوصول إلى حالة من السلام الداخلي التي لا تشترى بثمن.
أما المغريات فهي ليست مجرد أشياء مادية ملموسة؛ بل تشمل الأفكار الزائفة، والمواقف التي تختبر القيم في ميزان الأخلاق، وحتى الكلمات التي قد تغوي النفوس الضعيفة.
ترك المغريات ليس رفضا لها بحد ذاتها، بل هو اختيار مدروس لما يناسب القيم النبيلة التي يسعى الإنسان لتحقيقها في حياته.
في عالمنا اليوم، حيث تزداد المغريات و تتزين بألف لون و بريق، يصبح ضبط النفس و مقاومة هذه الإغراءات أحد أكبر التحديات. فالنفس الأمارة بالسوء، تميل بطبعها إلى الاستجابة للمتعة السريعة، ولكنها سرعان ما تكتشف خيبة اللذة العابرة. وهنا تظهر عظمة المجاهدة، حيث ينحاز الإنسان إلى ما هو أبقى و أصفى، رغم كل المغريات الآنية.
من يجاهد نفسه على ترك المغريات ينال مرتبة رفيعة من السمو الروحي. لا و لن يترك هذه الإغراءات خوفا من العقاب فقط، بل لأنه يدرك أثرها السلبي على قيمته الإنسانية. كما أن أثر هذه المجاهدة يتجاوز الفرد ليصل إلى المجتمع، حيث تصبح الأخلاق ثقافة جماعية، تقود إلى بناء مجتمع قوي ومتماسك.
إليكم سبل مجاهدة النفس:
الوعي الذاتي: إدراك مواطن الضعف والقوة في النفس، و الابتعاد عن مواطن الفتنة.
الإيمان العميق: استحضار رقابة الله في كل لحظة، و اللجوء إليه بالدعاء والاستغفار.
مصاحبة الصالحين: الأصدقاء الصالحون الذين ينصحون بالثبات، و يذكرون بالنبل حين تميل النفس إلى الهوى.
ملء الوقت بما ينفع: شغل النفس بالطاعات والأعمال المفيدة يقطع عليها سبل الاستسلام للإغراءات.
أخيرا وليس آخرا، مجاهدة النفس على ترك المغريات ليست ضعفا أو تنازلا، بل هي قمة القوة و الاقتدار. إنها جهاد عظيم يظهر مدى صدق الإنسان مع ربه ونفسه، ومدى حرصه على الحفاظ على إنسانيته في وجه كل ما يحاول أن يفقده قيمته. إنها ليست مجرد أخلاق تحكى، بل حياة تعاش، وسلوك يجعل الإنسان خالدا بقيمه وإن رحل جسده.