إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالى.. الكاتب / محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله الذي خلقنا وسوانا، وله الحمد على ما ربانا فيه على موائد البر والكرم، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد الذي أدبه وأحسن خلقه، وأثنى عليه سبحانه بقوله ” وإنك لعلي خلق عظيم ” وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه من الذي صلحت قلوبهم وأنفسهم، وحسنت أخلاقهم وكانوا من الفائزين بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير والكثير عن رحلة الإسراء والمعراج، وإن الإسراء يعلمنا أن لذة الحياة في وجود رسالة وهدف، فالحياة ليست طعاما وشرابا، تلك حياة البهائم التي ينتهجها الذين كفروا، ولكن الله تعالى يقول فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة محمد ” والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم” 

فالحياة رسالة تؤديها، الحياة مبدأ تتمسك به، الحياة دعوة تدعو إليها، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة فصلت ” ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين” فالإنسان حينما يتخلى عن مبادئه وعن قيمه، ويسعى لتلبية شهواته الحيوانية، إنسان لا يقيم الله له يوم القيامة وزنا، إنسان له صغار عند الله، فقل لي ما الذي يهمك، أقل لك من أنت، ماذا يهمك؟ أن تأكل، وأن تشرب، أم أن تربي أولادك؟ أم أن تدعو إلى الله؟ أم أن تكون قدوة لمن حولك؟ أن تبث هذا الدين العظيم، وأن توضح كتاب الله الكريم، أن تبين سنة سيد المرسلين، ما الذي يقلقك؟ قيمتك عند الله بقدر همومك وهمتك في الحياة، فإن صاحب الإسراء صلى الله عليه وسلم، مشى على قدميه إلى الطائف ليبلغ دعوة الله تعالى، فيلقى التكذيب والاستهزاء، ونيل الأذى، ومع ذلك يقول “إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالى”

صلى الله عليه وسلم، فلقد أكرم الله تعالى هذه الدعوة الإسلامية المباركة، وتلك الأمة العظيمة بخير نبي صلى الله عليه وسلم، وبخير كتاب وبخير دعوة، أكرم الله أمتنا بدولة وفكرة وصحبة عظيمة، وما قامت الدولة، ولا رسخت الفكرة، ولا عظمت الصحبة، إلا بعد تنقية وغربلة لصف المؤمنين، ولقد تنوعت مراحل التنقية في تاريخ الأمة ودعوتها، ومن بين مراحل التنقية والتصفية رحلة بل رحلتان عظيمتان امتن الله تعالى بهما على خير أنبيائه ومرسليه، وشرفه ربه بأفضل مقام، وأعلى منزلة، إنها رحلة الإسراء ورحلة المعراج، التي أعلن الله تعالى فيها قيمة نبيه ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلن كذلك قيمة هذه الأمة وعظمتها آمن بذلك من آمن، وكفر من كفر، وها هو الداعية الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، يدعو قومه إلى الله تعالى. 

سنوات مأساوية، مليئة بالعواصف العاتية من التعذيب والإيذاء، والبغضاء والافتراء، ثم كان العام العاشر من البعثة العام الحزن الذي فقد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب الذي كان ينافح عنه ويدفع عنه أذى قريش، وبعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام أو شهرين يفجع النبي صلى الله عليه وسلم بموت رفيقة دربه السيدة خديجة رضي الله عنها، وهي من في مؤازرتها له وقوفها إلى جانبه في أشد المواقف على مدى خمسة وعشرين عاما، ويتلفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مكة فلا يجد من ينصره ليبلغ رسالة ربه، فيخرج إلى الطائف، ويعرض دعوته على ثقيف، فيردون عليه بأقبح رد، وآذوه ونالوا منه ما لم ينل منه قومه، وأغروا به سفهاءهم يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه الشريفتان. 

وينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف محزونا مهموما، فيمشي ولا يشعر بنفسه، حتى استفاق في قرن الثعالب فأخذ يناجي ربه بالدعاء المشهور”اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك أو ينزل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى