رحلة من الأرض إلى السماء .. بقلم الكاتب/ محمـــد الدكـــروري

 

الحمد لله رب العالمين حمد الحامدين الشاكرين والصلاة والسلام على البشير النذير المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير والكثير عن رحلة الإسراء والمعراج، ولقد شاهد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مشاهد عظيمة تعالج قضايا اجتماعية وأخلاقية في صميم المجتمع فهي أمراض تهدد كيان الحياة، ومنها عقوبة جريمة الغيبة والنميمة، عقوبة أكلة أموال اليتامى، عقوبة خطباء الفتنة وعلماء السوء، عقوبة أكلة الربا، ومانعي الزكاة، وخطباء الفتنة، والتهاون في الأمانة، والإسراء هو الرحلة الأرضية التي هيأها الله تعالى لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى القدس، أى من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهى رحلة أرضية ليلية، وإن المعراج هو رحلة من الأرض إلى السماء.

أى من القدس إلى السموات العلا، إلى مستوى لم يصل إليه بشر من قبل، إلى سدرة المنتهى، إلى حيث يعلم الله عز وجل، وإن هاتان الرحلتان كانتا محطة مهمة في حياته صلى الله عليه وسلم وفي مسيرة دعوته في مكة، بعد أن قاسى ما قاسى وعانى ما عانى من قريش، ثم قال صلى الله عليه وسلم لعلي أجد أرضا أخصب من هذه الأرض عند ثقيف، عند أهل الطائف، فوجد منهم ما لا تحمد عقباه، ردوه أسوأ رد، سلطوا عليه عبيدهم وسفهاءهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه صلى الله عليه وسلم، ومولاه زيد بن حارثة يدافع عنه ويحاول أن يتلقى عنه هذه الحجارة حتى شج عدة شجاج في رأسه، ولقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم دامي القدمين من الطائف ولكن الذي آلمه ليس الحجارة التي جرحت رجليه ولكن الكلام الذي جرح قلبه ولهذا ناجى ربه هذه المناجاة.

وبعث الله تعالى إليه ملك الجبال يقول له صلى الله عليه وسلم إن شئت أطبق عليهم الجبلين، ولكنه صلى الله عليه وسلم أبى ذلك، وقال” إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا، اللهم اهدى قومي فإنهم لا يعلمون” ثم هيأ الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم هذه الرحلة، الإسراء والمعراج، ليكون ذلك تسرية وتسلية له عما قاسى، وتعويضا عما أصابه صلى الله عليه وسلم ليعلمه الله عز وجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء، إذا كان هؤلاء الناس قد صدّوك فإن الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك، ويتخذونك إماما لهم، كان هذا تعويضا وتكريما للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منه عز وجل، وتهيئة له للمرحلة القادمة، فإنه بعد سنوات قيل إنها ثلاث سنوات وقيل ثمانية عشر شهرا.

ولا يعلم بالضبط الوقت الذي أسري فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما كان قبل الهجرة يقينا، كانت الهجرة وكان الإسراء والمعراج إعدادا لما بعد الهجرة، ما بعد الهجرة حياة جهاد ونضال مسلح، سيواجه صلى الله عليه وسلم العرب جميعا، فكان لا بد أن يتهيأ صلى الله عليه وسلم، لهذه المرحلة الضخمة المقبلة ومواجهة كل هذه الجبهات، بهذا العدد القليل وهذه العدة الضئيلة، فأراد الله أن يريه من آياته في الأرض وآياته في السماء، قال الله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا” حتى يرى آيات الله عز وجل في هذا الكون وفي السماء أيضا كما قال الله تعالى في سورة النجم التي أشار فيها إلى المعراج “لقد رأى من آيات ربه الكبرى ما زاغ البصر وما طغى” فقد أراد الله تعالى أن يريه من هذه الآيات الكبرى.

حتى يقوى قلبه ويصلب عوده، وتشتد إرادته في مواجهة الكفر بأنواعه وضلالاته، كما فعل الله تعالى مع نبيه ورسوله موسى عليه السلام، حينما أراد أن يبعثه إلى فرعون، هذا الطاغية الجبار المتأله في الأرض الذي قال للناس أنا ربكم الأعلى، ما علمت لكم من إله غيرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى