رسول الله في الحضارة الإلهية العظيمة

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله ذي الملك والملكوت، والعز والجبروت، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يثبّت أولياءه عند الفتن العواصف، ويعصمهم من المحن القواصف، له الأسماء الحسنى والصفات العلا، فلا يحيط به وصف واصف، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد لقد فرض الله سبحانه وتعالى على عبده محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته الصلوات ليلة الإسراء والمعراج خمسين صلاة في كل يوم وليلة ثم لم يزل يختلف بين نبي الله موسى عليه السلام وبين ربه عز وجل، حتى وضعها الرب جل جلاله وله الحمد والمنة إلى خمس وقال.
” هي خمس وهي خمسون الحسنة بعشر أمثالها ” فحصل له التكليم من الرب عز وجل ليلتئذ وأئمة السنة كالمطبقين على هذا واختلفوا في الرؤية فقال بعضهم رآه بفؤاده مرتين، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وطائفة وأطلق ابن عباس وغيره الرؤية وهو محمول على التقييد وممن أطلق الرؤية أبو هريرة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما وصرح بعضهم بالرؤية بالعينين واختاره ابن جرير وبالغ فيه وتبعه على ذلك آخرون من المتأخرين وممن نص على الرؤية بعيني رأسه الشيخ أبو الحسن الأشعري فيما نقله السهيلي عنه واختاره الشيخ أبو زكريا النووي في فتاويه، وقالت طائفة لم يقع ذلك لحديث أبي ذر في صحيح مسلم، قلت يا رسول الله هل رأيت ربك ؟ فقال ” نور أنى أراه ” وفي رواية ” رأيت نورا ” قالوا ولم يمكن رؤية الباقي بالعين الفانية.
ولهذا قال الله تعالى لموسى فيما روي في بعض الكتب الإلهية “يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده” والخلاف في هذه المسألة مشهور بين السلف والخلف، والله أعلم، ثم هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس والظاهر أن الأنبياء هبطوا معه تكريما له وتعظيما عند رجوعه من الحضرة الإلهية العظيمة كما هي عادة الوافدين لا يجتمعون بأحد قبل الذي طلبوا إليه ولهذا كان كلما مر على واحد منهم يقول له جبريل عند مقدم ذاك للسلام عليه هذا فلان فسلم عليه، فلو كان قد اجتمع بهم قبل صعوده، لما احتاج إلى تعرف بهم مرة ثانية ومما يدل على ذلك أنه قال صلي الله عليه وسلم ” فلما حانت الصلاة أممتهم ” ولم يحن وقت إذ ذاك إلا صلاة الفجر فتقدمهم إماما بهم عن أمر جبريل فيما يرويه عن ربه عز وجل فاستفاد بعضهم من هذا أن الإمام الأعظم.
يقدم في الإمامة على رب المنزل حيث كان بيت المقدس محلتهم ودار إقامتهم ثم خرج منه فركب البراق وعاد إلى مكة فأصبح بها وهو في غاية الثبات والسكينة والوقار وقد عاين في تلك الليلة من الآيات والأمور التي لو رآها أو بعضها غيره لأصبح مندهشا أو طائش العقل ولكنه صلى الله عليه وسلم أصبح واجما أي ساكنا يخشى إن بدأ فأخبر قومه بما رأى أن يبادروا إلى تكذيبه فتلطف بإخبارهم أولا بأنه جاء بيت المقدس في تلك الليلة وذلك أن أبا جهل لعنه الله رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام وهو جالس واجم فقال له هل من خبر ؟ فقال ” نعم ” فقال وما هو ؟ فقال صلي الله عليه وسلم ” إني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس ” فقال إلى بيت المقدس ؟ قال ” نعم ” فقال أبو جهل أرأيت إن دعوت قومك لك لتخبرهم، أتخبرهم بما أخبرتني به ؟
قال صلي الله عليه وسلم ” نعم ” فأراد أبو جهل جمع قريش ليسمعوا منه ذلك وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم ليخبرهم ذلك ويبلغهم فقال أبو جهل هيا معشر قريش، فاجتمعوا من أنديتهم فقال أخبر قومك بما أخبرتني به، فقص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، وأنه جاء بيت المقدس هذه الليلة وصلى فيه فمن بين مصفق وبين مصفر تكذيبا له واستبعادا لخبره وطار الخبر بمكة وجاء الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه فأخبروه أن محمد صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، فقال إنكم تكذبون عليه فقالوا والله إنه ليقوله، فقال إن كان قاله فلقد صدق.