الشغب السعيد من خواطر الكاتبة والأديبه تهاني عدس

خاطرة بعنوان: الشغب السعيد
بقلم/ تهاني عدس
في الماضي، خاصةً في ليالي الشتاء الباردة والطويلة، وقبل أن تغزو التكنولوجيا جميع جوانب الحياة، كانت البيوت تلتحف البساطة ويغمرها الدفء، تحتضن بين جدرانها أطفالًا يتنفسون البهجة والسرور، يستمتعون باللعب مع إخوانهم عن طريق ابتكار ألعابًا شتى، باستخدام ما هو متاح لهم من أدوات منزلية بسيطة.
من هذه الألعاب، صُنع كومة من اللُحُفِ والوِسادِ القطنية الملونة في أحد أركانِ البيت المنسية، يعتليها أحدهم بكل فخر كما يعتلي الملك العظيم كرسي العرش، يتسلقها آخر بشجاعة كما يتسلق المغامرون حافة الجبل، وهناك متآمر يقبع أسفلها، يسحب وسادة من منتصفها بخبث، يُسقط من في القمةِ ويفسد على المتسلق محاولته للوصول إليها، مُحدثًا بذلك فوضى عارمة في المكان، يُصاحبها ضجيج من الضحكات الطفولية البريئة.
هذه اللعبة وغيرها من الألعاب تُعد أكثر من مجرد لحظات للهو والعبث، بل جسر يربطهم بعالمهم الخاص ووسيلة لتنمية مهارات التفكير الإبداعي بتوظيف خيالهم الخصب في الابتكار والاستكشاف، يتعلمون من خلالها دروسًا في الحياة دون أدنى جُهد، يتدربون على مواجهة العقبات وحل المشكلات و التغلب عليها بطرق جديدة وأفكار خارج الصندوق، يكتسبون القدرة على النهوض مجددًا بعد السقوط ومواجهة الفشل بالتحدي وعدم اليأس، يدركون أن النجاح الحقيقي ليس في الفوز في حد ذاته بل يُقاس بعدد المحاولات التي تُبذل للحفاظ على التوازن وما تَحَقَق من إنجازات.
إكتساب الخبرة والمعرفة في فن العلاقات و تكوين فهم أعمق لطبيعة بعض البشر يساعدهم على استيعاب فكرة أن البعض قد يستمد سعادته من خلال إفشال وإسقاط الناجحين، عن طريق تدبير المؤامرات ووضع العقبات بطريقهم، أو حتى اللجوء إلى السحر والشعوذة كطريقة للسيطرة عليهم وإعاقة تقدمهم وتشتيتهم عن تحقيق أهدافهم، يقضون أوقاتهم في توظيف خيالهم الواسع وذكائهم وبذل أقصى جهدهم في إيقاع الأذى بالآخرين، بدلًا من توظيف تلك القدرات في تنمية و تطوير أنفسهم لتحقيق إنجازات تدخل على أرواحهم السرور وتعود على حياتهم بالخير والبركة.
استيعاب تلك الفكرة تمكن من اجتياز العقبات والتغلب على الصعوبات التي يسببها هؤلاء المشاغبون، وذلك بمواجهتهم بكل شجاعة وإصرار على تحقيق الأهداف المرجوة.
مساكين أطفال اليوم، أنا حقًا أشفق عليهم، لأنهم حُرموا من تلك الخبرات المكتسبة من الشغب السعيد والفوضى الممتعة، بعد أن أفسدت عليهم الألعاب الإلكترونية فرصة العيش في عالمٍ محسوس وملموس يكتسبون فيه روح المغامرة والشجاعة والتحدي، وجعلت منهم أطفالًا تعساء، يعيشون في عالمهم الافتراضي، يستسلمون في أول محاولة لهم عند الاصطدام بعالمٍ حولهم غاضب ومنفلت، يحطم نفوسهم الهشة ويقهرها.