التفاحة والخرصاء العمياء.. بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

 

الحمد لله مُعين الصابرين، أحمده سبحانه يكشف الهم ويزيل الغم عن المكروبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد الصابرين وإمام المتقين، اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد إن لخطورة التفريط في الأمانة أبت السماوات والأرض والجبال حملها، فعن الحسن البصري أنه تلا هذه الآية الكريمة ” إنا عرضنا الأمانة علي السموات والأرض والجبال ” قال عرضها على السبع الطباق الطرائق التي زينت بالنجوم، فقيل لها هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت وما فيها؟ قيل لها إن أحسنت جُزيت، وإن أسأت عوقبت، قالت لا، ثم عرضها على الأرضين السبع الشداد، التي شدت بالأوتاد، وذللت بالمهاد، فقيل لها هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت وما فيها؟ 

قيل لها إن أحسنت جزيت، وإن أسأت عوقبت، قالت لا، ثم عرضها على الجبال الشوامخ الصعاب الصلاب، قيل لها هل تحملين الأمانة وما فيها؟ قالت وما فيها؟ قيل لها إن أحسنت جزيت، وإن أسأت عوقبت، قالت لا، فقال لآدم إني قد عرضت الأمانة على السماوات والأرض والجبال فلم يطقنها، فهل أنت آخذ بما فيها؟ قال يا رب، وما فيها؟ قال إن أحسنت جزيت، وإن أسأت عوقبت، فأخذها آدم فتحملها، فذلك قوله ” وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ” أي ظلم نفسه بحمله إياها، جاهلا حق الله فيها، وكما أن تبليغ هذا الدين أمانة أيضا، فالرسل أمناء الله على وحيه، حيث قال صلى الله عليه وسلم ” ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء ” متفق عليه، وكذلك كل من جاء بعدهم من العلماء والدعاة. 

فهم أمناء في تبليغ هذا الدين، وكما أن العرض أمانة، فيجب عليك أن تحفظ عرضك ولا تضيعه، فتحفظ نفسك من الفاحشة، وكذلك كل من تحت يدك، وتحفظهم عن الوقوع فيها، وقال أبي كعب رضي الله عنه ” من الأمانة أن المرأة اؤتمنت على حفظ فرجها” والولد أمانة، فحفظه أمانة ورعايته أمانة وتربيته أمانة، وقيل أنه بينما كان رجل يسير بجانب بستان وجد تفاحة ملقاة على الأرض، فتناول التفاحة وأكلها، ثم حدثته نفسه بأنه أتى على شيء ليس من حقه، فأخذ يلوم نفسه، وقرر أن يرى صاحب هذا البستان، فإما أن يسامحه في هذه التفاحة أو أن يدفع له ثمنها، وذهب الرجل لصاحب البستان وحدثه بالأمر، فاندهش صاحب البستان لأمانة الرجل وقال له لن أسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط أن تتزوج ابنتي

وإعلم أنها خرساء عمياء صماء مشلولة، إما أن تتزوجها وإما لن أسامحك في هذه التفاحة، فوجد الرجل نفسه مضطرا يوازي بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فوجد نفسه يوافق على هذه الصفقة، وحين حانت اللحظة التقى الرجل بتلك العروس، وإذ بها آية في الجمال والعلم والتقى، فإستغرب كثيرا، لماذا وصفها أبوها بأنها صماء مشلولة خرساء عمياء؟ فقال أبوها إنها عمياء عن رؤية الحرام، خرساء صماء عن قول وسماع ما يغضب الله، وقدماها مشلولة عن السير في طريق الحرام، وتزوج هذا الرجل بتلك المرأة وكان ثمرة هذا الزواج هو الإمام أبو حنيفة ثابت بن النعمان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى