الدكـــروري يكتب: صبرعلى اليتم والفقر والعوز والجوع

 

الحمد لله الذي شمل بخلقه ورحمته ورزقه القريب والبعيد، سبحانه وتعالي “وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين” وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله هو أفضل النبيين والمؤيد بالآيات البينات والحجج الواضحات والبراهين صلى اله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد إن رسول الله المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم كان صابرا، فلا يعلم أحد مر به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مر به صلى الله عليه وسلم، وهو صابر محتسب، فصبرعلى اليتم والفقر والعوز والجوع والحاجة والتعب والحسد والشماتة وغلبة العدو أحيانا. 

وصبر على الطرد من الوطن والإخراج من الدار والإبعاد عن الأهل، وصبر على قتل القرابة والفتك بالأصحاب وتشريد الأتباع وتكالب الأعداء وتحزّب الخصوم وإجتماع المحاربين وصلف المغرضين وكبر الجبارين وجهل الأعراب وجفاء البادية ومكر اليهود وعتوّ النصارى وخبث المنافقين وضرواة المحاربين، وصبر على تجهم القريب وتكالب البعيد، وصولة الباطل وطغيان المكذبين، وكما صبر رسول الله المصطفي محمد صلى الله عليه وسلم على الدنيا بزينتها وزخرفها وذهبها وفضتها، فلم يتعلق منها بشيء، وصبر على إغراء الولاية وبريق المنصب وشهوة الرئاسة، فصدف عن ذلك كله طلبا لمرضاة ربه، فهو صلى الله عليه وسلم الصابر المحتسب في كل شأن من شؤون حياته. 

فالصبر درعه وترسه وصاحبه وحليفه، كلما أزعجه كلام أعدائه تذكر ” فاصبر علي ما يقولون ” وكلما بلغ به الحال أشده والأمر أضيقه تذكر قوله تعالي ” فصبر جميل ” وكلما راعه هول العدو وأقض مضجعه تخطيط الكفار تذكر قوله تعالي ” فاصبر كما صير أولوا العزم من الرسل ” وصبره صلى الله عليه وسلم صبر الواثق بنصر الله، المطمئن إلى وعد الله، الراكن إلى مولاه، المحتسب الثواب من ربه جل في علاه، وصبره صبر من علم أن الله سوف ينصره لا محالة، وأن العاقبة له، وأن الله معه، وأن الله حسبه وكافيه، يصبر صلى الله عليه وسلم على الكلمة النابية فلا تهزه، وعلى اللفظة الجارحة فلا تزعجه، وعلى الإيذاء المتعمد فلا ينال منه، فمات عمه فصبر وماتت زوجته فصبر وقتل عمه حمزة فصبر. 

وأبعد من مكة فصبر وتوفي ابنه فصبر وتوفي ابنه فصبر، ورميت زوجته الطاهرة فصبر، وكذبه قومه فصبر، وقالوا له شاعر كاهن ساحر مجنون كاذب مفتر فصبر، وأخرجوه وآذوه وشتموه وسبّوه وحاربوه وسجنوه، فصبر، وهل يتعلم الصبر إلا منه؟ وهل يُقتدى بأحد في الصبر إلا به؟ فهو صلى الله عليه وسلم مضرب المثل في سعة الصدر وجليل الصبر وعظيم التجمل وثبات القلب، وهو إمام الصابرين وقدوة الشاكرين صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم الذي ناداه ربه فقال “يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك” أي بمعني أدي الرسالة كاملة كما سمعتها كاملة، وبلّغها تامّة مثلما حملتها تامة، لا تنقص منها حرفا، ولا تحذف كلمة، ولا تغفل جملة، وبلّغ ما أنزل إليك فهي أمانة في عنقك سوف تُسأل عنها.

فبلغها بنصّها وروحها ومضمونها، وبلّغ ما أنزل إليك من الوحي العظيم والهدى المستقيم والشريعة المطهرة، فأنت مبلغ فحسب، لا تزد في الرسالة حرفا، ولا تضف من عندك على المتن، لا تدخل شيئا في المضمون، لأنك مرسل فحسب، مبعوث ليس إلا، مكلف ببلاغ، مسؤول عن مهمة، فمثلما سمعت بلغ، ومثلما حُمّلت فأدي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى