هند رستم.. الوجه الآخر

بقدر اختلاف موهبتها وأدائها البسيط المفعم بالأنوثة منقطعة النظير، والذي امتازت به عبر العديد من الأدوار التى قدمتها لشاشة السينما .. ضمت حياة الفنانة القديرة الراحلة هند رستم العديد من المواقف والتفاصيل، التى عكست الجانب الشخصي والخفي لحياة مارلين مونرو الشرق، النجمة الأشهر صاحبة الأداء الأنثوي الأقوى والأبرز في تاريخ السينما المصرية.. فكانت تظهر معها تارة بطباع الأنثي الرقيقة الهادئة، وتارة أخرى بشخصيتها القوية ومواقفها وآرائها التى لم تسمح يوما بالتراجع عنها.

وعلى غرار رقتها وملامحها الأنثوية التى كانت تبدو بها دوما على شاشة السينما، كان للفنانة الشهيرة طباع وطقوس لم تكن لتصدر إلا عن شخصية رقيقة عطوفة إلى أبعد حد، فقد ارتبطت بدرجة كبيرة بحب الحيوانات الأليفة بشتى أنواعها، وخاصة الكلاب، فكانت تقتنى مايزيد عن 20 كلبا تتولى مسؤوليتهم ورعايتهم دون كلل وملل.. وهو أمر وسلوك لم يكن معتاد في ذلك الوقت، حتى أنها سئلت عنه مرارا وعن سر ارتباطها الشديد بتربية الكلام في عدة لقاءات حوارية بذلك والوقت، وكان من بينها لقائها مع الإعلامي والإذاعي الكبير وجدى الحكيم، والذي كشفت خلاله عن تعلقها الشديد بهذا الحيوان وسر اهتمامها بتربيته، والذي ارجعته لقدر الوفاء الذي يتمتع به هذا المخلوق علي حد قولها، وهو ما أكدته خلال اللقاء قائلة: «حبي للكلاب وتأقلمى في التعامل معهم يفوق بكثير قدرتى على التعامل مع البشر، وأضافت : في سلوكيات البشر الام تربي أبنائها من أجل المستقبل، من أجل إثقالهم بما ينفعهم في تعاملاتهم ودنياهم، وهى أسمى علاقة بين البشر علاقة الأم بأبنائها، وهى علاقة قائمة على العطاء ثم المردود، أما بالنسبة للحيوانات والكلاب بوجه خاص الأمر مختلف، فالكلب إذا أطعمته أو لو تطعمه فلن يكرهك، هو يعطيك مشاعر دون النظر لمردود منك، أضف إلى ذلك أنه يمتلك من العطاء والمحبة ما يجعله يضحى بحياته من أجلك في حال إذا شعر أن هناك خطر ما يهددك، وهذا دون مقابل أيضا. فخياراته في هذه الحالة محدودة وهى أما أن يحميك وإما أن يضحى من أجلك إذا تطلب الأمر ذلك، فأين هذه الصفات من تصرفات وأفعال البشر مع بعضهم البعض، فأغلب العلاقات عادة ما تسودها وتسيطر عليها المصالح والمكاسب المتبادلة، أم الحب والوفاء دون مقابل، فلن تجده إلا مع مثل هذه الكائنات».

عشق لاينتهى

ومن شدة ارتباطها بهذا الحيوان الأليف، الملاحظ من قبل كثيرين من المحيطين بها، سئلت ذات مرة «هل فكرت مشاركتهم في أحد أفلامك؟»، فأجابت : «بالفعل فكرت إلا أن أقربهم منى تعرض للموت فجأة، مما أصابنى بحالة حزن شديدة استمرت لأشهر داومت خلاله على استعمال المهدئات وبعض العقاقير الطبية التى ساعدتنى في تجاوز هذه الأزمة».

فقد وجدت من خلال حبها لهذا الحيوان الأليف ضالتها في البحث عن الوفاء والأمان، وحينما سئلت عن أي شئ أهون بالنسبة لها، أن يتعرض أحد أفلامها للفشل رغم تعبها واجتهادها في العمل عليه، أم أن تعلم بخبر وفاة أحد من كلابها، فكانت إجابتها بكل حماس: « فيلم يفشل طبعا، أما أن يموت أحد كلابي فهذا أمر في غاية الصعوبة بالنسبة لى». وأضافت: «أنا شخصية أقدر الوفاء لأقصى درجة وأبحث عنه دوما في كل علاقاتى، رغم أننا أصبحنا في زمن إذا صادفت فيه صديق وفي قد يصيبك الأمر بالاندهاش».

ولم يقتصر عشقها المستمر لتربية الكلب إلى حد اقتناء السلالات الجيدة منها وتربيتها فحسب، بل وصل به عشقها وتناغمها في التعامل معهم لدرجة إجادتها فن الترويض وتدريب الكلاب كالمتخصصين.

كما تعددت صور تعلقها بعالم الحيوانات وشغفها الشديد به إلى مرحلة لم تقتصر على تربية الكلاب فقط، بل كانت واحدة من عشاق اقتناء وتربية أسماك الزينة بمختلف أنواعها وفصائلها. كما كان يغلب عليها حسها وتذوقها الفنى العال في اهتمامها باقتناء التحف والأنتيكات.

قوة وصلابة

على الجانب الآخر، ورغم ملامحها الأنثوية الصارخة وطباعها الرقيقة التى كشفت عنها هواياتها وعطفها الدائم على الحيوان، كانت تمتلك الفنانة الراحلة هند رستم شخصية قوية وصارمة، تمتعت بقدر عال من الصراحة والوضوح والثبات على المواقف حتى في أسوأ الظروف، فضلا عن امتلاكها حسا نقديا كان يغلبها على التفاعل مع كل ما يحيط بها، وخاصة في نطاق عملها الفني، الأمر الذي جعلها تتعايش مع كافة القضايا والمتغيرات التى طرأت على الساحة السينمائية في ذلك الوقت، وانتقاد ماهو سلبي منها دون مراعاة لأى اعتبارات، ومهما كلفها الأمر، حتى وإن كان ثمن ذلك الابتعاد عن الساحة والجلوس بالمنزل. حيث كانت تسخر وتنتقد بشدة بعض الظواهر السلبية التى طرأت على صناعة السينما، منها تهاون الكتاب والمخرجين في احتواء الأعمال الفنية على جمل وألفاظ خارجة كالسباب، وهو ما أعلنته في أحد المرات عبر لقاء حوارى أجراه معها الإعلامى وجدي الحكيم، قالت فيه « للأسف أصبحت بعيدة ولا أشاهد الأفلام العربية، وأقولها بصراحة دون خوف، وذلك بسبب تعدد الظواهر السلبية التى تشهدها السينما المصرية، وآخرها تعمد استخدام ألفاظ وجمل خارجة عن إطار الاخلاق والآداب العامة، فماذا يعنى أن نسمع جملة في عمل فنى تقول (يلعن أبوك ابن كلب)، والأسوأ ثقافة وأسلوب تعاملات الأجيال الجديدة من الفنانين، ولذلك كنت في أحيانا كثيرة أدخل بلاتوه التصوير ويسيطر علي شعور بالقرف والاشمئزاز نتيجة لاختلاط الأمور والمفاهيم لدى الكثير من الفنانين، فلم يعد هناك احترام وتقدير للكبار، ولا استثنى من ذلك من الوجوه الشابة سوى قلة قليلة منهم، « محمود ياسين، ونور الشريف».

الأمر نفسه أكدت عليه بسنت رضا ابنة الفنانة الراحلة في أكثر من حديث صحفي سابق لها، حيث صرحت : «أمى لم تستطع التجاوب مع الحالة الجديدة التى أصابت الجيل الجديد من النجوم، ومنها عدم احترام مواعيد التصوير، فكانت تذهب فى موعدها وتنتظر ساعات طويلة حتى يحضر بطل العمل، وفى آخر عمل شاركت فيه انتظرت ما يقرب من 4 ساعات حتى وصل النجم الشاب بطل العمل، وعندما عاتبه المخرج والمنتج على التأخير، قال ببساطة ممكن أدفعلكم تكلفة التأخير، فشعرت أمى بأنها لن تستطيع العمل فى هذا الجو، فاستكملت الفيلم وبعدها قررت الاعتزال».

لم تقتصر صراحة ونقد الفنانة الكبيرة هند رستم في انتقاد ماحولها فحسب، بل كانت من أحرص الناس على انتقاد نفسها أيضا، وهو ما يتضح من تصريح آخر لها كانت قد أعلنت فيه أنها قدمت للسينما المصرية ما يقارب الـ 123 فيلم، لم ترضى إلا عن 10 أو 15 منهم فقط، منها «الجسد» و «رحمة من السما» و«الخروج من الجنة».

كما لم تكن من محبي الألقاب الفنية التى اعتاد النقاد والجمهور إطلاقها على الفنانين، وهو ما تبين من تعاملها مع لقب «ملكة الإغراء» الذي كانت ترفضه ولم يكن يمثل شئ بالنسبة لها، حسب تصريحات أخرى لابنتها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى